يهيمن في أحد أنواع أفلام رعاة البقر ملصق «مطلوب» ويتعلق الأمر بالمجرمين المطلوبين للعدالة، وتخصص مبالغ مهمة لمن يقبض عليهم أحياء أو أمواتا. وكان بعض الأبطال يحترف اقتفاء آثار هؤلاء للحصول على الجوائز، ولذلك اعتبروا «صائدي الجوائز». لا يختلف المتأولون الجدد ممن امتهن الحلاقي الافتراضية من اتخاذ صيغة «مطلوب» عنوان كل خطاباتهم الذين يروجون بها لبضاعتهم. إنهم يصطادون الموضوعات المسيئة للقرآن الكريم، والحديث النبوي، والصحابة، والتاريخ الإسلامي من خلال رموزه المضيئة، عن طريق ممارسة التأولات المغرضة.
سبق أن كشفت زيف ادعاءات صاحب «المخنث» ورأيت بعدها إساءة أخرى له عن البخاري الذي يتهمه بأنه يسيء إلى الرسول، ويكذب عليه. فقلت في نفسي: لعل قدم الرجل زلت في تأول حديث مسلم، فتتبعت، بهدف معرفة كيفية تفكير الرجل، و»قراءته» لحديث البخاري الذي يلخصه في اتهامه الرسول بأنه ليس على علم بالفلك بنشره لحديث: « شهران لا ينقصان: رمضان وذو الحجة، وسماهما شهرا عيد». فرأيته يخبط الخبط نفسه، إذ كيف يمكن للرسول أن يعتبر الشهرين كاملين، والشهور القمرية تزيد وتنقص؟ يتأول النص ظاهريا، ويرسل تهمه الجهنمية على البخاري الذي يتقول على الرسول. إن من يحلل النص يطلع على ما قدم بخصوصه من تحليلات سابقة، ويقدم قراءته بعد ذلك، لكن من يتصيد الموضوعات بقصد الإساءة والسب والشتم لا يهمه إلا أن يفرض تحليله، ولو طرح صاحبنا السؤال: لماذا خص الرسول فقط هذين الشهرين بأنهما لا ينقصان، ولم يذكر مثلا رجب وشعبان لانتهى الأمر. لكن الهوى غلاب! إن الشهرين لا ينقص الأجر في أي منهما، وإن جاءا ناقصين.
إن هذا المسلك يسير فيه صاحبنا على غرار من سبقوه إلى الإساءة، فمنذ ثمانية أعوام قدّم الحيدري التحليل نفسه، وهاجم البخاري بقوله إنه يستحيي من قراءة روايات تعامل الرسول مع النساء، فالرسول كان مع نسائه، وكن يغنين، فأنكر أبو بكر رؤية ابنته تغني، لكن الرسول قبِل ذلك، ولم ينكره. فأين مكمن العجب؟ إن سلوك الرسول العظيم مع المرأة لا ينكر عليها أن تسمع الغناء، أو تغني، لكن شتم عائشة قربى إلى الله. إن صائدي الموضوعات بقصد الإساءة إلى الدين والتاريخ الإسلاميين هم من طوائف وأعراق كثيرة. وجاء استغلال الحلاقي الافتراضية ليكشف العلاقة المرَضية بينهم. إنهم ينقلون عن بعضهم بعضا، ويتناولون موضوعات متشابهة، ويكثرون من الفيديوهات يوميا.
ولا يقتصر الأمر على من يعتبرون أنفسهم «تنويريين» أو” شيعة”، لكنْ للمسيحيين، عربا وأجانب، وباللغة العربية والفرنسية أيضا أدوار في هذه الإساءة. فكيف يجتمع التنويري والشيعي والمسيحي في اصطياد الموضوعات ومعالجتها بالطريقة نفسها؟ هل يجمع بينهم المنهج؟ أم البحث؟ أم التفكير في تجديد الدين؟ وهم إلى جانب اشتراكهم في تكرار المعلومات نفسها، يقدمون «المحاكمة الكبرى» للبخاري؟
أن يجتمع المتناقضون على الإساءة إلى الإسلام وشخصياته التي بنت حضارة ذات بعد إنساني، من خلال حرق القرآن، أو الرسوم المسيئة، أو اعتماد الحلاقي الافتراضية، لا معنى له سوى الحقد الذي يقض مضاجعهم. وداء الحقد قديم. سجل القرآن الكريم حقد كفار مكة بقوله تعالى: «إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء، ويبسطوا إليكم أيديهم، وألسنتهم بالسوء، وودوا لو تكفرون» (الممتحنة، 2). لا يفعل المتأولون الجدد إلا ما قام به أسلافهم. إنهم يبسطون ألسنتهم بالسب والشتم، لأنهم أعجز عن التحليل والقراءة السليمة. لا أحد يجادل في أهمية إعادة قراءة التاريخ، أو إعادة النظر في التراث الإسلامي بكيفية جديدة، ومعاصرة وعلمية. لكن التأولات المسيئة لا علاقة لها بذلك، وإن ادعى أصحابها أنهم «باحثون» أو «مفكرون» أو «مؤرخون». إن الاصطياد في الماء العكر لا علاقة له بالبحث والتفكير. يتساءل أحد هؤلاء عمن يخاف من قراءة التاريخ؟ وهم أول من يخاف من قراءة التاريخ لأنه ليس في مصلحتهم. فمن يسب موسى بن نصير، وعقبة بن نافع، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم، ويتهمهم بأنهم مجرمون، وجبناء، وقتلة، ويتهم المولى إدريس بأنه صاحب إمارة صغيرة في الشمال، وهلم جرا، إنهم في كل هذا يستغلون ما ورد في التاريخ الإسلامي الذي كتب بكل وجهات النظر، ويتأولون ما ورد فيه، مقتصرين على ما يصطادونه من موضوعات، ويقدمونها على أنها اكتشافات مذهلة وحقائق، لا يعيدون قراءة التاريخ، لكن يستغلون بعض جوانبه لأهداف غير تاريخية.
نقول لمن يتحدث عن الدولة المغربية، ويقلل من شأن الفتح الإسلامي، والدولة الإدريسية، ويدافع عن الظهير البربري، ويتأوله ضد الحركة الوطنية التي قاومته: إنك لا تعيد قراءة التاريخ المغربي، لكنك تفتعل القراءة التي تلائم دعواك، وعليك قبل أن تعيد قراءة التاريخ المغربي، لا بد أن تكتب لنا أولا تاريخ مغاربة ما قبل الفتح لنعرف الدول والإمبراطوريات التي تعاقبت عليه، والتوسع الجغرافي الذي حققته، والمآثر الحضارية واللغوية والثقافية، وتبين لنا المخطوطات التي تركتها، والتي كان لها تأثير في الحضارة الإنسانية.
صائدو الجوائز أبطال، وغيرهم سليطو لسان.
*كاتب مغربي