دبَّج “كَتَبْجي” في جريدة “الشروق” الجزائرية، في ما يُشبه النُّطق بما يُخالج القيادة الجزائرية إزاء ما يُحقِّقه المغرب من تقدُّم ديبلوماسي، مُتسارع ونوعي، في الإقْرار الدّولي بمغربية الصحراء وبعدالة المسْعى الوطني الوحدَوي المغربي، كتب معتبرا أن المغرب يمارس “ديبلوماسية الثور الهائج”… ولعلّه عنى أن يقدح في الديبلوماسية المغربية، غير أني أعتبره يمدحُها… وإنْ كنت أفضل أن يربط الديبلوماسية المغربية ب “الفيل الثّائر”… لأن للفيل ذاكرة قوية وهو يثُور لكرامته وضدّ أية إساءة له، ولو بعد حين… وهو فضّل الثور لرمزيته في التعبير عن القوة والإقدام، فليكن له ما أراد… المهم أنه يرى الديبلوماسية المغربية قوية إلى حد الهيجان، والأغلب أنّه كان يفضلها ديبلوماسية قطة أليفة، بلا مَخالب ومواؤها يُسلّي فقط… بينما القيادة الجزائرية تمارس ديبلوماسية الذِّئب الجائع… يتربّص بالحق الوطني المغربي ليَنهَشه… ونَسيَ، هو ومن يوجهه، بأن قوة الحق تفضي إلى الحق في القوة… والقوة هُنا ديبلوماسية الإقْناع باللّين والصّرامة معًا وبالتأنِّي، كما يقودها، جلالة الملك محمد السادس…
جلالة الملك أوْضح في جوابه على الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء، بأن ذلك القرار “صائب كونه يُدعّم الأسانيد القانونية الحق والحقوق التاريخية الراسخة للمغرب في أقاليمه الصحراوية، وأن “السيادة الفعلية للدولة المغربية وروابط البيْعة القانونية التي ظلت تربط منذ عهودٍ سلاطين وملوك المغرب والسكان المغاربة بهذه الأرض العزيزة على قلوبهم. هي عناصر ثابتة لا يرقى إليها الشك”… إنها مكوِّنات الحق الوطني المغربي الذي أسِّست عليه الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وآخرها دولة إسرائيل، وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية وقبلهما عدة دول عربية وإفريقية وأمريكو-لاتينية… وعليها استندت الدول التي رأت أن المُقترح الملكي بالحكم الذاتي هو الحل الوحيد الجِدي، الواقعي والممكن، مثل إسبانيا، ألمانيا، هولاندا وغيرها من دول أوروبية وإفريقية وآسيوية وأمريكو-لاتينية… وعلى تلك الحقائق بَنَت دُولٌ عديدة، موقفها لاعتبار الحكم الذاتي مقترح جدي وواقعي لبحث الحلّ السّلمي للنزاع، وأبرز تلك الدول فرنسا…
بالمحصلة. في الأمم المتحدة التي ترعى حل النزاع حول الصحراء المغربية، الأغلبية الواسعة من الدول الأعضاء هي مع الحق المغربي، إن في كلِّيته، أو في حدِّه الأدنى اعتبار الحكم الذاتي مقترح جدي وواقعي… وهو ما يعبر عنه الأعضاء الكبار في مجلس الأمن، حيث مضمون المقترح المغربي واضحٌ في قرارات مجلس الأمن ولا يوقفه الامتناع الروسي عن التصويت … الواقعية السياسية هي الموجِّه الأساس للدفاع الوطني المغربي عن وحدته الترابية… منذ قبول الحسن الثاني لإجراء الاستفتاء في الأقاليم الصحراوية، سنة 1981 بنيروبي، وما تلى ذلك من إقرار الأمم المتحدة، على لسان مبعوث الأمين العام السيد جيمس بيكر، سنة 2003، بتعذُّر إجراء الاستفتاء لصعوبة تحديد لائحة المصوِّتين، لعراقيل وضعها البوليساريو… وإلى مقترح الملك محمد السادس، سنة 2007، باعتماد الحكم الذاتي في إدارة الأقاليم المغربية المتنازع عليها… وهو المقترح الذي غيَّر القاموس الدولي في التعامل مع النزاع، والذي قاد إلى تنامي الانحياز الدولي للموقف المغربي… وصولا إلى ما سماه “الكَتَبْجي” في الشروق الجزائرية “ديبلوماسية الثور الهائج”… أي عُزلة الطرح الانفصالي، يصاحبه وبأداته، وبشِرذمة من مشايعيه، وسَط فضاء دولي واسع يملؤه دَوي الحق المغربي ومُناصريه… وهو ما أفزع “صاحبنا” ومن وراءه وخاله “خوار ثور هائج”…
في أقل من شهر تَتَعزَّز الديبلوماسية المغربية، باسْتقطاب أنغولا إلى التفاهم بعيدا عن المغناطيس الجزائري، وتؤكد ألمانيا انحيازها الكامل للموقف المغربي وتُعلن إسرائيل عن اعترافها بمغربية الصحراء وإعلان ذلك للأمم المتحدة وفي علاقاتها الخارجية… من شأن ذلك أن يُحدث هلعا في التَّلَقِّي الجزائري لهذه الجُرُعات القوية من الخسائر الديبلوماسية… وهي مُكتسبات دبلوماسية مغربية لها قوة التكاثر الهندسي وليس الحسابي… ما يعني أن توقع مفاجئات ديبلوماسية لصالح المغرب، أمر جدّ وارد… والاهتمام الآن سيركز على فرنسا، وهي “الجاهزة” للتقدّم في موقفها… ودول أخرى وازنة في آسيا وفي أمريكا اللاتينية ستشجعها على التطورات الأخيرة على مواكبة المد العالمي المناصر للمغرب… وفي أقل الاحتمالات ستستمر روسيا في عدم اعتراضها على قرارات مجلس الأمن لصالح المغرب. وإن جاز توقُّع أن يشجعها الموقف الإسرائيلي على رفع مستوى تأثيرها في الحل النهائي بموقف أقرب للمنطلق السلمي المغربي، إذ خلافا لما هو شائع، روسيا تربطها بإسرائيل علاقات تفاهم عميقة وقوية… كل هذا، يعني أن الشروط تنضُج لتضييق مجالات تحرك الجزائر بطرحها الانفصالي، أكثر مما هي عليه من ضيق حاليا… حتى في الصّين، تجاهلت القيادة الصينية، مجاملة السيد تبون ولو بكلمات ديبلوماسية باردة، في موضوع نزاع الصحراء…مع أن الرئيس الجزائري “خان” مبدأه الانفصالي، و أكد على أنه ضدّ انْفصال تايوان ومع وحدة الوطن الصيني.
ألقى جلالة الملك مقترح الحكم الذاتي في فضاء التاريخ، وليتغذى بما يكفيه من الوقت ومن السنوات، لكي يسري في الجغرافيا… المغرب مُوَحّد على الأرض والمغاربة الصحراويون في أقاليمهم المغربية… ولقد خصَّب المقترح السلمي المغربي ذاتَه بتوليد مناصرته الدولية، بوتيرة هادئة ومتصاعدة… واليوم تلُوح في الأفق مغالبة عدة دول لإحراجاتها ولإكراهاتها، مع الجزائر، لتمضي نحو الحماس لحل نزاع ثقيل على الوضع الدولي وخارج انشغالاته و”أوجاعه” الضاغطة… وسيكون لكل هذا أثر واضح في الأمم المتحدة وفي الإتحاد الإفريقي وفي الاتحاد الأوروبي وفي العلاقات الثنائية مع المغرب…
عسى أن تقرأ القيادة الجزائرية جيدا هذه التطورات، ولا تعود إلى استهلاك مسكّنات شعاراتية مُضلِّلة في شكل “هجمات “تحريضية ضد المغرب… وتنتصر لذاتها ولمصلحتها، حين تنتصر لعلاقات مغربية جزائرية تقوم على التعاون والتضامن، وفي إطار طموح وحدوي مغاربي…عسى وعسى” أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”…