” ليس الوقت متأخرا جدا على الحب “ هكذا تحدثت الدكتورة الاستشارية آنا دانيالز Anna Kleegman Daniels لجعل طاقة الحب متدفقة في مختلف مراحل دورات الحياة المستمرة، وأعمق شكل للحب هو حب إنسان لنفسه وللآخر بذكاء وتفهم، والحب لا معنى له إذا لم نشرك به شخصا نحبه، والنجاح غير المشارك في بنائه ليس نجاحا على الاطلاق، فالحب نحو إنسان آخر يخلق ديناميات وتفاعلات جديرة بعيشها على نحو فعال، فالحب يتغذى على الحب ويستحقه، وفعل الحب يتعزز على غير مثال في العلاقات الزوجية المرضية والمستقرة، ولجعل كيمياء الحب يشتغل نحو الصحة العامة ويتجه نحو التعافي ويرسي الصمود في مواجهة مختلف التحديات الأسرية، فيستوجب على مهندسيه أن يصبحا كلا واحدا من نسيج أنفسيهما ، حيث ليس أحدهما بأفضل من الآخر، وأنهما يعبران السماء بجناحين، ويتقبل كل منهما اختلاف الآخر بمرونة، بيد أن السموم والآلام تولد من طبيعة التفاعلات تحت سقف الزوجية، وتسمح لها بالظهور خلافا لأمكنة أخرى كالمقاهي ومقرات العمل والسفريات وباقي التجمعات العرضية. ويعتبر الحب الترياق القادر على القيام بأشياء مذهلة لإرساء علاقات وظيفية ناجحة ومستقرة يسودها الرضا والتكيف والاحترام المتبادل بين الشريكين. ولتعزيز نوعية هذه العلاقات وتقويتها في إدارة النزاعات الزوجية التي لا تختفي في أي أسرة على مر التاريخ، فإن الحاجة ماسة الى بناء مهارات لمساعدة الأزواج على التقليل من هذه الصراعات وعيش الحياة الطيبة المرتكزة على سحر الحب والتفاهم في ما هم فيه مختلفين.
ويعود سر بناء العلاقات الزواجية الناجحة والطيبة إلى الجذور التي تغذيها وتدعمها لنيل المعنى العميق من الزواج وأسبقيته في سلم أولويات الأسرة، وإذا كان ثلاثة أرباع من الخلافات الزوجية ثابت بنيوي لا يختفي من الحياة الأسرية حسب الخبير النفسي والطبيب الأمريكي جون مردخاي غوتمان John Gottman فإن لسحر الحب أثرا بالغا في تقييم مدى عيش الأسر حالة الاستقرار والتناغم الزوجي والتقليل من التفاعلات السلبية لفائدة كل ما هو ايجابي، ويستوي مؤشر سحر الحب هذا على ثلاثة متغيرات مركزية من خلالها يمكن قياس مدى قوة نجاح الأسرة وسريان طاقتها الايجابية نحو جميع أفرادها والمحيط المعيش .
المؤشر الأول: عيش طاقة الهدوء الفيسيولوجي
تشير نتائج مختلف الأبحاث التي قام بها جوتمان إلى أن تقوية سحر الحب داخل الأسرة يتطلب منح أفراد الأسرة غير الوظيفية مساحة وفيرة للعثور على الهدوء وسط مختلف ضغوطات وتقلبات الحياة اليومية، والجلوس في صمت من حين لآخر دون التحرك أو عمل شيء، حيث يكون أذكى تقنية تتخذها الأسرة غير الوظيفية لمواجهة تفاعلاتها السلبية، ذلك أن الهدوء أو طاقة ” فعل لا شيء ” حسب المفاهيم الطاوية والجلوس بهدوء الممارس من الأزواج بغرفهم أو بالمراكز الاستشارية أو غيرها تجعل ايقاع الفرد أهدأ وردود أفعاله أبطأ وأكثر لينا وتناغما، حيق تخلق نوعا من التوازن في علم وظائف الأعضاء، حيث يشعر الانسان بقلة بضربات قلبه تقل، وسرعة دمه تنخفض ويتحسن مزاجه ويتوقف تعرقه… ليتاح المجال للتفاوض الأهدأ وتسوية الصراعات بلطف ويكون الاستماع جيدا والتعاطف قائما وقد يصل الى الدعابة من جراء سهولة تلقي وارسال المعلومات بسلاسة، وبالمقابل عندما تغمر الانسان المياه الجارفة والفيضانات السبيلة من المرجح أن يكون في وضع الهجوم أو الدفاع لأن ثمة مثيرات داخلية أو خارجية عملت على تنشيط أجزاء من جهازه العصبي للاإرادي، حيث تتغير فسيولوجية جسده فتتقلب مشاعره وغالبا ما يفضي الأمر الى اتخاذ قرارات غير صائبة وسلوكيات انسحابية أو قتالية لا تحمد عقباها، من ثم كان لطاقة الهدوء في الخلافات الزوجية سحرا مذهلا لإطفاء نار التفاعلات السلبية.
المؤشر الثاني: السحر يأتي من بناء الثقة
أسرار الثقة التامة بالنفس لدى الأزواج سحر مكتسب وهي من تجليات الحب، وما لم يدرك الشخص قيمته في نفسه، وجدارته كشخص في تحرير نفسه من المشاعر السلبية، والانحرافات الفكرية، والمعتقدات الخاطئة، يعش أبدا الدهر في الارتباك والخلاف بوسطه العائلي. إن الثقة بالنفس وتولي كل شريك مسؤوليته الوظيفية داخل وخارج الأسرة تفضي حسب جوتمان الى عيش الحميمية والجنس البطيء الرائع مع الشريك الآخر على نحو جذاب وبديع، فيما تقود عدم الثقة الى الشعور بالوحدة والهجر والعزلة بين الشريكين، وبالتالي تصعيد سلوكيات النزاع والعلاقات غير المرضية وغير المستقرة، ومن ثم كان لا بد في تسوية الخلافات الزوجية من بناء علاقة الثقة المتبادلة بين الزوجين، وعدم إزعاج الشريك، والعمل على جعله أو جعلها لا تنظر إلا إلى ما تحب.
المؤشر الثالث السحر يأتي من بناء الالتزام
تعتبر قيمة الالتزام في الحياة الأسرية سر سريانها على نحو وظيفي، ومن مقوماتها المركزية لمواجهة الأزمات والتحديات، والتكيف مع الظروف الصعبة التي قد تتعرض لها بشكل مشترك، وتتميز الأسرة الناجحة بالتزام أفرادها مع بعضهم البعض، فيما هم متواضعين عليه من قواعد واتفاقات زوجية، وممارسة أنشطة إيجابية بين جميع أفرادها، وإظهار مشاعر الحب، وتبادل المشاعر الفضلى اتجاه بعضهم البعض، وتقبل الاختلافات فيما بينهم على نحو يلبي كل فرد احتياجاته دون الحاق الضرر والأذى بالآخر..
إن مؤشر الالتزام في الحياة السرية حسب جوتمان معيار جوهري لقياس مدى سريان سحر الحب بين أفرادها إذ غالبا ما يقود الالتزام بالشريك الى الوفاء والاخلاص وديمومة الاعجاب تجاه بعضهم البعض، ويركز جوتمان على ميزة الوفاء عند حضور مقياس الالتزام وسريان تأطير للعلاقات الزوجية، بحيث لما يغيب الالتزام يمكن للنزاعات أن تحتل أحيازا خطيرة تهدد بنيان الأسرة وتنبؤ بالانفصال وفشل العلاقات الزوجية، وبالتالي البيت الذي لا تتوفر فيه قيمة الالتزام الوظيفي تتعرض سلوكات أفراده للخيانة وتؤدي في إلى انحلال العلاقة الزوجية بشكل موقوق للغاية .
إن المؤشرات الثلاثة؛ الهدوء الفسيولوجي وبناء الثقة والالتزام متغيرات جوهرية تؤثر على سريان طاقة الأسرة بجميع أفرادها، وتخلق سحر المحبة بينهم، وتشكل عاملا إحصائيا لبنية الاستقرار الأسري، كما أنها تمنح إمكانية التنبؤ بسلوكات الانفصال وفشل الحياة الزوجية بدقة عالية.
* مستشار أسري لايف كوتش كاتب صحفي