
…لابد من صنعاء وإن طال السفر» و “اليمن يُمن“، وقد جاء في الحديث الشريف: «لقد جاءكم أهل اليمن قلوبهم أرق وألين الإيمان يمان والحكمة يمانية» لا تنتهي الحكم والأمثال والكلمات التي قيلت في أقدم حضارة عرفها الإنسان والتي تعود للآلاف من السنين قبل الميلاد، والتي تميزت بالسدود المائية، وتأسيس الدولة، والبناء الفوقي، فجنوب الجزيرة العربية أو الجزيرة ذاتها عاشت فيها الإنسانية لثلاثين ألف سنة قبل أن تنتقل إلى باقي الكوكب، ومع الأزمنة تقلصت اليمن إلى 555 ألف كلم و 35 مليون نسمة.
وعرف اليمن السعيد ممالك عدة قبل أن تؤسس المماليك في باقي العالم مثل حضرموت وسبأ وقتيان، ولم يعرف اليمن الاستعمار قط لا في التاريخ القديم ولا الحديث، وأهلها ذوي الشكيمة والعزة والشرف، لعبوا دورا أساسيا بعد بعثة الإسلام بنشره في الأصقاع الآسيوية خاصة أبناء حضرموت. واستوطنوا البلاد الآسيوية وبالقدوة الحسنة نشروا العقيدة السمحاء ومارسوا العمل والتجارة، وكانوا قدوة لأهل تلك البلاد حتى أن أحد سلاطين ماليزيا اسمه الحضرمي، ومن وزراء اندونيسيا من اسمه أبي بكر «=العطاس»، وفي حيدر أباد المدينة الهندية جزء من سكانها أصلهم من اليمن وهو أمر منتشر في مختلف المدن والمناطق الأسيوية على امتداد القارة، فضلا عن باكستان والمالديڤ ففي كل زاوية تعثر على ملامحهم في الوجوه الآسيوية، ومن الطريف أن بعض جزرهم على البحر الأحمر التي يحاول البعض احتلالها إحداهم تسمى خوريا موريا، ويؤكد المرحوم حسين فوزي في كتابه “حديث السندباد القديم” أنه شاهد شيخ جزيرة الحلانية وهو يشير بعمامته إلى البواخر المارة من المنطقة فكأنه من سلالة السندباد صاحب الرحلات السبع في ألف ليلة وليلة والذي قد يكون من اليمن، أو هو من أحفاد سلمان التاجر الذي أبدع كتاب “ألف ليلة وليلة”، ونسبوا له شخصية السندباد البحار العربي الشهير، وكلمة سندباد مؤلف من كلمتين السند أي الأرض التي تقع حاليا في باكستان، واباد بمعنى موطن أو مقام، فعاصمة باكستان -مثلا- اسمها إسلام أباد أي موطن الإسلام…إلى الأبد… وكانت عدن إحدى المراسي الكبرى على بحر العرب والتي تنقل السلع وتستقبل السفن التجارية القادمة من الصين والهند وإيران، وقد أشار لها الناخودة «=ربان السفينة» بزرك بن شهريار في كتابة “عجائب الهند” الذي قد يكون كتب في القرن التاسع الميلادي باعتبارها أحد الموانئ العظيمة المطلة على المحيط.
وقد زار ابن بطوطة محمد بن عبد الله الطنجي –1304-1377 م اليمن السعيد، وعاش في مدينة خلى أو حلي، والتقى سكانها وتمنى لو يقيم فيها وكما كتب في رحلته «لقد أردت الإقامة معهم باقي عمري ولم أوفق لذلك…»، وذكر ميناء عدن ووصفه ب «مرسى بلاد اليمن»، وأضاف «..تأتي إليها المراكب العظيمة من كنبايت وتانه وكولم وقالقوط وفندرانية والشاليات ومنجرور وفاكنور وهنور وسندابور وغيرها…. » هكذا وصف ابن بطوطة اليمن عندما زارها في القرن 13 م. ومن أمانيه التي لم تتحقق طيب الإقامة في مدينة خلي كما سماها أو حلي كما هو شائع.
ومن يزور اليمن أو جنوب الجزيرة العربية سيلاحظ المباني والآثار التاريخية المترامية التي خلفها البناة القدامى، والتي تمتلئ بالنقوش أو الرموز كما يزعم البعض. وقد ادعت إحدى الباحثات واسمها ثريا منقوش أنها استوعبتها وأصدرت عدة كتب من خلال فهمها لهذه النقوش، التي تمتد كتابتها على المباني التاريخية لحضارة الجزيرة العربية وجنوبها -تمتد- حتى الربع الخالي على الحدود الحالية للمملكة العربية السعودية مع اليمن، وعلم دراسة النقوش علم دقيق ونادر بحّاثوه، ومن أهم الباحثين في هذا الشأن في المغرب طبيب كان يدعى رينو، وكانت له عيادة بمراكش مطلة على ساحة جامع الفناء، وكان هذا المستعرب/المستشرق الفرنسي قد أعلن الإسلام وأطلق على نفسه عبد الله رينو. وقد عثر أحد الأشخاص بعد وفاة رينو على الدراسات التي خلف، وأصدر كتابا في الموضوع إلا أنه لم يشر إلى الباحث الأصلي الدكتور عبد الله رينو، كما لم يستوعب من خلال النقل والنسخ استخلاصات ونتائج الدراسات التي بحث فيها هذا المستشرق. أما نقوش اليمن والجزيرة بصفة عامة فلازالت مستعصية على الاستيعاب، لكن أهل اليمن السعيد الذي نمنم أجدادهم هذه النقوش وشيدوا تلك المباني يصدق عليهم قول الشاعر /الحكيم:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السعادة ترك مافيها.
*باحث