‏آخر المستجداتلحظة تفكير

عبد الله العلوي: حركات اليسار والتنظيمات الإسلامية المغربية

منذ بداية اتفاقية 30 مارس 1912 وبسط نظام الحماية على المغرب بعد مرحلة صعبة وقاسية عاشها المغرب تمثلت في احتلال جزء من الشرق وآنفا الدار البيضاء في 1907، ونشر نظام السيبة والحماية الشخصية لعملاء الدول الغربية، وبعد هذه المرحلة وابتداء من سنوات 1930 و1937 و1944 عندما طالب المغاربة بالاستقلال وتم تأسيس عدة تنظيمات كالعمل الوطني، وحزب الاستقلال، والشورى والاستقلال، وتنظيمات الشمال كحزب الإصلاح الوطني بزعامة المرحوم  عبد الخالق الطريس -توفي في 27 ماي 1970- .

كان الهدف الأساسي للمناضلين المغاربة الذي تبلور في عريضة 11 يناير 1944 الاستقلال والديمقراطية وتوزيع المنافع على الشعب، وبعد الاستقلال في 2 مارس 1956 ظهر حزب الاستقلال كقوة مهيمنة سياسيا وجماهيريا وانخرطت فيه أغلب القوى الحزبية شمالا وجنوبا، لكن فور الاستقلال ظهرت خلافات حزبية عاصفة بين جناحين انتهت بتأسيس الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال التي تطورت في سنة 1959 إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي عقد مؤتمره الثاني والهام في 1962، وانتخب أمانة عامة من 10 أعضاء، وتطورت الصراعات داخله التي أدت إلى الانشقاق أيضا في 1972 ثم إلى الاتحاد الاشتراكي 1975 والاتحاد الوطني 1974 بنفس الاسم الثاني القوات الشعبية، وكان الفقيه محمد البصري قد أسس تنظيم الاختيار الثوري، وقام هذا التنظيم بعدة محاولات لتنظيم حرب شعبية خاصة في 1973 التي عرفت بأولاد خليفة.

وكان المغرب قد عرف تأسيس الحزب الشيوعي الفرع الفرنسي في الأربعينيات من القرن الماضي، والذي تطور إلى الحزب الشيوعي المغربي، وفيما بعد إلى حزب التحرر والاشتراكية، وأخيرا إلى حزب التقدم والاشتراكية. وبعد أحداث 23 مارس 1965 وحرب حزيران في 1967 انشقت جماعة من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأطلقت على نفسها حركة 23 مارس، وانشقت جماعة عن حزب التحرر والاشتراكية وأسمت نفسها الجبهة الماركسية/اللينينية بقيادة المهندس ابراهام السرفاتي –توفي في 18 نوفمبر 2010-، أما حركة 23 مارس فكانت قيادتها جماعية وفيما بعد تم البحث عن زعيم كان هو المرحوم محمد بن سعيد أيت ايدر –توفي في 06 فبراير 2024- وإعلان تأسيس منظمة العمل الشعبي كحزب رسمي والذي تحول بعض أعضائه إلى الحزب الاشتراكي بعد انشقاق منظمة العمل.

وكان الراحل –أيضا في السبعينيات- أحمد حرزني –توفي في 13 نوفمبر 2023– أسس هو الآخر حركة لنخدم الشعب، والاسم مأخوذ من افتتاحية للرئيس ماوتسي تونغ، وبديهي أن الحركة كان لها اتجاه ماوي، كما تم تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ والتي اشتغلت فيها كل هذه الحركات، إلا أن هذه الحركات تعرض أعضاءها للاعتقال ولأحكام قاسية، كما تم تدمير أجهزتها وتنظيماتها وهروب بعض قادتها خارج البلاد. ومع السبعينيات والثورة الإسلامية، وحرب أفغانستان في 1979، وانهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، عرف اليسار والأحزاب التي لها فكر اجتماعي أو تقدمي انهيار كامل لقيمه وتنظيماته، وكان من أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار الفكري والتنظيمي لمنظمات وأحزاب اليسار أنها كانت مقتصرة على الطلبة والتلاميذ وبعض المدن فقط، كما أن تقاريرها وبلاغتها كانت غامضة وغير مفهومة لأغلبية الجماهير، فضلا عن الهجوم على عقيدة الشعب أو على الأقل الحياد في المسألة الدينية، فضلا عن الظروف الدولية التي ساهمت في هذه الانهيار أيضا فالأحزاب والتنظيمات اليسارية كانت مرتبطة بالزعيم الملهم وبغياب هذا الزعيم فقدت هذه الأحزاب والتنظيمات إجماعها، وتحولت إلى تنظيمات مواكبة بشكل انتفاعي للمرحلة وذات قدرات تنظيمية واهنة، واستطاعت بعض الأحزاب الإدارية استقطاب بعض عناصرها خاصة حركة من أجل الديمقراطيين،

وفيما بعد حزب الأصالة والمعاصرة ، ورغم المحاولات التي بذلت بتأسيس تيارات بديلة كالنهج والوفاء وفدرالية اليسار واليسار الموحد، فإن الوهج والهيمنة الثقافية والسياسية التي شكلها اليسار وسط النخبة المغربية خلال الستينيات والسبعينيات ونسبيا حتى التسعينيات قد خبت بعد صعود قوى أخرى عالمية ووطنية.

التنظيمات الإسلامية

لم يعرف المغرب قبلُ حركات إسلامية بالمعنى الحزبي والسياسي، كون المغاربة في تنظيماتهم الحزبية يعتبرون هذا الأمر مفروغا منه، لكن ظهور اليسار الأصولي، واليسار المتطرف، أدى إلى شيوع فكرة تأسيس تنظيمات تحارب الآخر وتؤسس لنظرية الإسلام السياسي كما عرف لاحقا، إلا أننا بالرجوع إلى الأحزاب المغربية التقليدية كحزب الاستقلال والاتحاد الوطني فقد ضم عناصر تدعوا إلى الإصلاح والإيمان والقيم الإسلامية و”الأسلمة” مثل الأستاذ علال الفاسي وأبو بكر القادري وعبد الله إبراهيم ومحمد الحبيب الفرقاني وغيرهم كثير. وكان الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب

توفي في 28 سبتمبر 2008– حالة متميزة والذي كان خارج حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني، فقد لعب دورا هاما في تأسيس بعض حركات الإسلام السياسي واحتضانها، وقد لعب الدور الهام في تأسيس الحركة الشعبية أيضا، وبعد إعلان حرية تأسيس النقابات في 1960، أسس الاتحاد الوطني للشغل، ثم بعد الانشقاق عن الحركة الشعبية أسس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وشكل في 1963 جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية مع المستشار الملكي الراحل محمد رضا اكديرة –توفي في 14 ديسمبر 1995-، وكان في عهد الاستعمار عنصرا في المقاومة المسلحة وجيش التحرير، كما كان رجل الاتصال مع جماعات الإسلام السياسي –الإخوان المسلمين- خاصة في العالم العربي والإسلامي، والأهم من ذلك كان العنصر المدافع من “الخارج” عن النظام المغربي وجزءا منه وبطريقته الخاصة جدا.

كان الظهور الأول للتنظيم الجمعوي/الحزبي جمعية الشبيبة الإسلامية التي تأسست في 1967 من طرف عبد الكريم مطيع الحمداوي، الذي كان عضوا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبحكم انتماءه لأسرة التعليم كان عضوا في الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل، ويبدو أنه بعد أحداث مارس 1965 في الدار البيضاء غادر الانتماءات السالفة، وأسس الشبيبة الإسلامية، وقد ساعده في ذلك الشيخ كمال إبراهيم الذي حضي بسمعة طيبة في الدار البيضاء. استفاد مطيع من التجربة الحزبية والنقابية في الاتحادين وأسس تنظيمه الجديد على الأسس التالية:

  • وضع أسس تنظيمية راسخة للتنظيم في الدار البيضاء ثم بعد ذلك في مدن أخرى.
  • المساعدة والرفد للشباب في التعليم والاجتماعيات.
  • تشجيع الشباب على ولوج الهيئات الأمنية من شرطة ودرك وجيش.

في حين كانت أحزاب اليسار غائبة عن المساعدة الاجتماعية ومنفرة لولوج الوظائف الأمنية، وقد أنشأ مطيع خلايا في مختلف أحياء الدار البيضاء التي كان يرى أنها المدينة التي تجمع المغاربة وتتوفر على قوى عاملة واقتصاد يمتد تأثيره إلى المغرب كله، فضلا عن كونها المدينة الأكثر تأثيرا: لغة وثقافة، ويبدو أنه ارتبط بعلاقة ما مع الدكتور عبد الكريم الخطيب، فضلا عن بعض الشيوخ، كما أن السلطة شجعته كونه سيخلق توازنا سياسيا واجتماعيا وثقافيا في مواجهة أحزاب وتنظيمات اليسار على الساحة في تلك المرحلة؛

كانت خلية حي بوشنتوف بالدار البيضاء أهم وأقوى خلية للشبيبة الإسلامية، وكان الاتحاد الاشتراكي قد تأسس في 1975، وكان ذ.عمر بنجلون هو الذي قرأ في المؤتمر التقرير الإيديولوجي/المذهبي، وفيما بعد زار بعض المدن وألقى عدة محاضرات “حول الصراع الطبقي في المغرب”، وكان النجم الأبرز في الاتحاد الاشتراكي، وقد اغتيل في نفس السنة من طرف خلية بوشنتوف التي تزعمها عبد العزيز النعماني. وهناك عدة إشاعات لا تصل إلى درجة الخبر حول علاقته بالدكتور الخطيب وإخفاءه إلى حين فراره لفرنسا حيث أسس حركة المجاهدين المغربية التي تدربت على السلاح في أفغانستان وفي مدينة طرابلس اللبنانية، وقد قتل حوالي 1983 /1984 بفرنسا من طرف عناصر من التنظيم ودفن في قبر مجهول -كما يشاع-.

وإذا كانت “الشبيبة الإسلامية” عرفت انشقاق جماعة الجهاديين، فإن بعض أعضائها مع آخرين أسسوا حركة التوحيد والإصلاح التي تحولت إلى حزب -مع بقاءها- وقد احتضنها الدكتور الخطيب في حزبه الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وفيما بعد اختارت اسم جديد: العدالة والتنمية وهو نفس الاسم الذي يحمله حزب تركيا أيضا، والعدالة والتنمية حزب إصلاحي انتخابي من داخل الحركات الإسلامية.

وفي نفس التاريخ تقريبا وبداية من السبعينيات من القرن الماضي ظهر الشيخ عبد السلام ياسين مفتش التعليم والمدير التربوي بمراكش وعازف الكمان، والذي انشق عن الحركة الصوفية المسماة “البودشيشيين” وأسس حركة العدل والإحسان. لقد زعم البعض أن الراحل ياسين –توفي في 13 ديسمبر 2012- انشق عن الجماعة الصوفية كونه لم يترأسها بعد وفاة الشيخ عباس، وإسناد الإمامة إلى ابنه حمزة، لكن هذا الأمر غير مؤكد إذ أن الكتابات الأولى للشيخ عبد السلام ياسين خاصة “الإسلام بين الدين والدولة” و“الإسلام غدا” ومقالاته العديدة في مجلته الجماعة توضح أن الشيخ ياسين تأثر بكتابات أبو الأعلى المودودي-المتوفي في 1979- وسيد قطب -أعدم في 1966، وبالتالي فإن المرحلة التاريخية التي مر منها العالم الإسلامي فرضت  عليه الخروج عن المبادئ الثمانية للجماعات الصوفية التي ليس من بينها الشأن العام، فهذه الجماعات تهدف إلى التربية الفردية والتخليق دون ممارسة أي فعل سياسي، ورغم الكاريزمية التي تمتع بها الشيخ ياسين وانتشار أفكاره لذى الآلاف من أتباعه، فقد لعب دورا رئيسيا في السلم والأمن الاجتماعيين حتى وفاته رحمه الله، وبوفاته فقد التنظيم الكاريزمية والحضور التي تمتع بهما خلال حياته وهي عادة حزبية/مغربية، فبغياب الزعيم يتشرذم التنظيم.

ملحوظة:

تبقى الطرق الصوفية، ورجال التبليغ، وأهل الحديث، والبديل، والجمعيات ذات الطابع التربوي الديني والتي تحاول أن تنأى عن الشأن العام حتى لا يشكل لها عرقلة لأهدافها أو تجعلها منافسة للأحزاب والهيئات الأخرى، وبعض التنظيمات الفردية أو الثنائية التي لا تصل إلى تبوأ مكانة التنظيم السياسي/العقائدي والتي قامت ببعض الحركات العنيفة مثل أحداث 16 ماي بالدار البيضاء سنة 2003، وأحداث جامع الفناء بمراكش سنة 2011، أو محاولات الاتصال بالقاعدة أو داعش أو تقليدهما كما جاء في العديد من البلاغات.

*باحث

ـ الصور من الأرشيف ـ

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


Back to top button