في ظل أزمة ماء خانقة، يعيشها المغرب هذه السنة، بسبب الجفاف وقلة الأمطار، ما انعكس سابيا على حقينة السدود، وما سرى من تداعيات شديدة الوطأة على المخزون من القمح، وتراجع منتوجه الوطني، يترجم واقع تبدير المياه الصالحة للشرب بالمدينة، مفارقة غير طبيعية، واستخفافا بكل الأعراف والتقاليد والقوانين.
من بين المشاهد المؤلمة التي نعيشها يوميا، ولا تكاد تختفي في أكثر الظروف المتاخمة لموضوع شح المياه ونذرتها، ما يقع من أحداث ترتبط بضياع مياه، عن طريق حدوث تسربات، بسبب مشكل انفجار أنبوب عمومي بالشارع، أو خروج مجرى مياه الشرب، عن مساره الطبيعي تحت الأرضية، وفي الشوارع والمنازل. وهو ما يتكرر مرات عديدة، دون نجاعة تذكر في تدبير المشكلات بأسرع وقت ممكن، حتى لا تضيع الآلاف من مكعبات المياه، التي تغدو في ساعات كثيرة وهي تهرق على الأسفلت وزفت الطرقات، أنهارا يصعب تعويضها.
فخلال صبيحة يومه السبت 18 يونيو الجاري، أعيد نفس مشهد تسرب آلاف المكعبات من المياه الصالحة للشرب، في النقطة الفاصلة بين أزلي الجنوبي والشمالي، عند مدارة “فران التراب”، قرب مخفر شرطة أزلي.
واستمر انسكاب المياه مجتازة كل الاتجاهات (انظر الصور)، دون توقف، مع العلم أن ساكنة المنطقة قد أخطرت المصالح المعنية بوكالة توزيع الماء والكهرباء بمراكش، منذ الساعات الأولى من نفس الصباح.
والغريب أن العمال الذين حضروا إلى عين المكان، من أجل وقف نزيف ضياع المياه إياها، كانوا على سعة من أمرهم، لا يضرهم شيء، متثاقلون، غير عابئين بما يجري، وكأنهم في حفل لتوزيع المأكولات والحلويات، حيث شوهدوا، حسب شهود عيان تقات، وهم يأخذون استراحة ثقيلة، والمياه من حولهم تخترق كل الأزقة والدروب، وتسد الطرقات، من وإلى اتجاهات صوكوما وطريق المحاميد وأزلي الجنوبي والشمالي وتجزئة إيزيكي.
يبدو أن مذكرات ومراسيم وقرارات الإدارات المعنية، لا تأكل ولا تشرب شيئا، مما يجري ويدور في الواقع. هناك فرق كبير، بين أن ننتج ترسانات قوانين ونظريات إنتاج وتنمية، وبين واقع وعقليات مواطنين، لا يجدون فرصة، إلا وعبروا من خلالها، على أنهم، ربما ينتقمون من أنفسهم، ومن هامشهم، كأنهم يوجهون السهام للدولة؟
كأنهم لا يستوعبون أن تكون الدولة، أو مفهوم الدولة، من ينزع عنهم كرامتهم، ويطيح بأحلامهم، ويخنق حرياتهم، ويوقعهم في براتمن الفقر والجهل والمرض؟