في سياق الجدل حول نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة وتصريحاتكم التي نقلت هذا الجدل إلى العالمية، وعلى وجه التحديد عندما حاولتم تبرير هذه الأزمة “بمشكلة كليات الحقوق”، أقول لكم السيد الوزير: – من السهل أن يرمي الشخص الكرة في ملعب آخر، ومن السهل أن ترموا الجمر بعيدا عنكم بدل أن تحاولوا إخماده. وسهل أن تتملصوا من أزمة ما وتلصقوها بغيركم، فالمواجهة تتطلب جرأة وشجاعة وحكمة وبصيرة. كذلك الخذلان سهل والوفاء بالعهد الذي قطعتموه لمن صوتوا عليكم صعب…
العدل صعب، والظلم سهل. من الصعب تدبير أزمة نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة بالنظر إلى الأعداد الهائلة لضحايا طريقة تدبير الامتحان، بداية بالتسريب وصولا إلى النتائج ومحاولتكم تغطية الشبهات التي تحوم حولها “بالغربال”..
نعم السيد الوزير، هناك مشاكل تعرفها كليات الحقوق وغيرها من المؤسسات الجامعية في مختلف التخصصات، مشاكل نبهنا إليها من موقعنا كأساتذة باحثين، أكثر من مرة واقترحنا لها الحلول، مشاكل ناتجة عن السياسات المتعاقبة وعن تدخل الأحزاب المكونة للأغلبية في الحكومات السابقة والحالية.. وزير يريد تعريب التعليم وآخر يفضل الفرنسة وغيره الإنجليزية. وهناك من ظن أن الإصلاح في كثرة المواد وآخر قام بتقليصها وهذا أصر على تغليب مواد دون أخرى وآخر حكم رأيه ضدا على كل مكونات كليات الحقوق أستاذات وأساتذة و طلبة و مسؤولين وقام ببرمجة مواد في الفصل الأول و الثاني وهي تحتاج من المعرفة ما لا يتوفر للطلبة في السنة الأولى.. وهناك من قلص الغلاف الزمني لبعض المواد حتى أضحى المحتوى مجرد مقدمة للمادة…
كل هؤلاء المسؤولين عن القطاع، كانوا يخططون تحت قبة نفس البناية، همهم الوحيد هو الخروج بحصيلة تحسب لهم والحال أنها حصيلة تحسب عليهم..
كل هذا ونحن الأستاذات والأساتذة، كنّا نتلقى هذه القرارات كمن يتلقى الجمر ونقبض عليه ونحاول ما استطعنا، ألا يصاب طلبتنا بشظاياه.
كنّا دوما حاضرين، في موقف من يناضل على جبهتين: – داخلية، تتسم بسياسات بعيدة عن الواقع وقرارات غير مدروسة وقلة الإمكانيات تجعل عملنا أكثر صعوبة وأخرى خارجية، تتطور بسرعة البرق في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. وعلينا أن نسايرها..
وفيما أنتم وزملائكم في الحكومة لديكم سلطة اتخاذ القرارات وسلطة تنفيذها، ليس لدينا نحن، سوى سلاح العلم والمعرفة وحب الوطن والوفاء لعهد قطعناه عندما اخترنا هذه الرسالة النبيلة. وكما ترون هي معادلة غير متكافئة..
السيد الوزير، ترى ما الذي قمتم به منذ تعيينكم على رأس وزارة العدل تجاه قضايا تزوير النقط والسرقات الأدبية؟ وأي تدابير وإجراءات اتخذتموها لضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين الطلبة؟ ألا يشكل تصريحكم ضربا للمساواة والتمييز بين الحاصلين على الشواهد المغربية والحاملين لشواهد أجنبية؟ الا يشكل هذا التمييز خرقا للقانون الداخلي وللقانون الدولي لحقوق الإنسان؟
نعم السيد الوزير، كليات الحقوق لها مشاكل خاصة تميزها عن باقي الكليات لأنها تقبل كل من يأتيها متفوقا أو ضعيفا، لكنها تصنع النجاح من هذا وذاك والإحصائيات الخاصة بالخريجين الذين يساهمون الآن في تسيير الشأن العمومي في جل القطاعات خير دليل. منهم الوزير والسفير والأستاذ والمحاضر والخبير والقاضي والمستشار والوكيل والمحامي والإداري وغيرهم داخل الوطن وخارجه.
خريجو كليات الحقوق بالمغرب، يحاضرون في سان فرانسيسكو وأكسفورد وجورج تاون وموريال والسوربون وموسكو وحيدرآباد وغيرها من الجامعات العالمية. خريجو وخريجات كليات الحقوق هم الآن سفراء وسفيرات للبلد في كل أنحاء العالم ويساهمون في رسم السياسة الخارجية لبلدنا بثبات وإصرار وثقة. ويدبرون الأزمات الدولية المفتعلة بحكمة وبصيرة والنتائج لا يمكن أن ينكرها أحد.
خريجو وخريجات كليات الحقوق المغربية، يساهمون في رسم السياسات الدولية وفي وضع الآليات الدولية في الوقت الذي توجهون فيه بتصريحاتكم ضربة موجعة للدبلوماسية الجامعية المغربية.
نعم، في كليات الحقوق أعطاب كثيرة بدءا بالميزانية المخصصة للبحث العلمي، فمختبراتنا العلمية باردة (قاعة وطاولة و بعض الكراسي) لا مكتبة في التخصص و لا حتى خزانة نضع فيها ملفات الطلبة ولا حاسوب ولا أي شيء.. ومع ذلك كل أستاذ وأستاذة لديه على الأقل عشرين طالب باحث في سلك الدكتوراه. مكاتبنا إن وجدت فهي عبارة عن غرفة مساحتها ثمانية أمتار مربعة وبالكاد طاولة وكرسي يتناوب عليها أربعة أو خمسة أساتذة. عدد المجلات العلمية المحكمة المغربية، قليلة جدا نظرا للمسطرة المعقدة لإنشاء المجلات العلمية والتي يطبق عليها قانون الصحافة مثلها مثل الجرائد الورقية. فما الذي قمتم به وأنتم على رأس وزارة العدل لتشجيع البحث العلمي عبر تبسيط المسطرة القانونية لخلق مجلات علمية محكمة؟ مع العلم أن هذه المجلات لا تستفيد من أي دعم، في حين نجد مواقع إلكترونية تحصل على دعم مادي مهم (مع أن محتوياتها لا تخرج عن نطاق التفاهة، التي أصبحنا نغرق فيها)، كل هذا و نحن الأستاذات والأساتذة في كليات الحقوق وغيرها من المؤسسات، نحاول أن ننتشل شبابنا من الضياع في زمن التفاهة.
جامعاتنا، السيد الوزير، فيها أطر تكونت في المدرسة العمومية المغربية والجامعة العمومية المغربية وقد اختارت طواعية الاستمرار في النضال من أجل أبناء الشعب وإلى جانبهم ومن أجل هذا الوطن، مع أن الإغراءات المقترحة عليهم من الخارج كبيرة في إطار السباق نحو السيادة التكنولوجية. جامعاتنا قادرة على أن تصل الى المراتب الأولى في التصنيفات العلمية، إن أحسنتم تدبير سياساتنا التعليمية..
فكليات الحقوق رغم أعطابها المادية، تزخر بثروة لامادية هائلة، وبرأسمال بشري مهم، يمكن استثماره، وكفاءات تعترف بها أعتى الجامعات والمنظمات الدولية وفيها طلبة وطالبات نثق في كفاءتهم ونفتخر بهم وقادرين على تسلم المشعل في المستقبل القريب، لكن ليس في ظل هذا الواقع وفي ظل هذه السياسات العمومية العرجاء، والتي افتضح أمرها بشكل فج، مع نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة. فأي ضمان يمكن أن نمنحه نحن اليوم، لطلبتنا ليثقوا في شعارات، لا نتوانى عن ترديدها: الكفاءة وتكافؤ الفرص..
– أي كفاءة واي تكافؤ للفرص، أمام هذا الواقع؟
ليس لكم أن تتساءلوا السيد الوزير بعد اليوم، عن أسباب هجرة الكفاءات…
وليس لنا نحن في الأخير، إلا أن نقول لكم:
كفى من سياسات الاستهتار…. ولا لإهانة الجامعة المغربية، ورفقا بالوطن وبأبناء هذا الوطن..
*فاطمة رومات، أستاذة التعليم العالي في القانون الدولي بكلية الحقوق أكدال، جامعة محمد الخامس بالرباط،، هي خبيرة دولية في مجال الذكاء الاصطناعي، وعضو فريق الخبراء في الذكاء الاصطناعي بمنظمة اليونسكو، هي واحدة من الأسماء المغربية اللامعة في مجال البحث العلمي….ولها عدة مساهمات دولية وإصدارات علمية.