كتب: محمد بوخزار
كيف يمكن الإمساك بتحولات المشهد السياسي الاسباني الراهن، في غضون نصف عقد( من 23 إلى 28) سيمر زاخرا بالأحداث المتلاحقة؟
يتطلب الموضوع، عدا الإلمام الواسع، رؤية ثاقبة، بل حسا تنبؤيا، وأيضا روحا إعلامية مغامرة؛ وكلها دفعت فيما يبدو الصحافي نبيل دريوش؛ لإصدار كتاب جديد، هو الثاني في سجله، عن جارتنا الايبيرية.
ومثلما كان المغرب حاضرا، من خلال موضوع الجوار المتشابك؛ فالواضح أن ذات “التيمة ” تسري بأشكال وصور شتى، في مفاصل وثنايا كتاب ” دريوش”؛ وقد تجاوزت صفحاته المأتين والعشرين، مع تركيز محوري على قضايا الداخل الاسباني، من خلال تجلياته وتشعباته السياسية والمجتمعية..
شخصيا، أحيي، كمتابع مهتم فقط، وابارك، ثمرة جذوة الانشغال الذي زرعه في بعضنا، الراحل الكبير محمد العربي المساري. انا واثق من أن إنجاز دريوش، سيأخذ مكانه المستحق، إلى جانب الأعمال الرصينة لثلة من الباحثين المغاربة، عن الشأن المغربي الاسباني وانعكاسه علينا، من خلال اعمال أكاديميين جامعيين، مؤرخين وإعلاميين ؛ عالجوه من زوايا ومقاربات سياسة، اقتصادية، وآفاق جيوستراتيجية. وكلها عوامل؛ ستظل تباعد وتقرب، بين البلدين، إلى حين طي ملفات الخلافات التاريخية العالقة؛ قصد الانخراط المشترك في المستقبل والتفرغ لمهام الحاضر.
ويقينا أن الاعلامي “النبيل” خلقا وفكرا؛ يمتلك اهم الأدوات والمقومات التي جعلت منه متابعا يقظا،قادرا على الإمساك، بحماسة ناعمة؛ بالآليات التي تصنع وتشكل الراهن الاسباني، وتفسر العارض والعميق منه، في خضم مشهد معتمل لا يكف عن الحراك ؛يهاب زخمه وتعقيداته، أي باحث ولو اسباني مطلع؛ دون أن يثنيه عن انغماس شغوف في تلابيب موضوع بحثه وتقصي امتداداته وتوقع احتمالاته السارة والضارة.
ويجيد الصحافي”نبيل” اللغة الاسبانية التي يتحدث بها بطلاقة؛ وهي التي فتحت له بالتأكيد قلوب واذان الفاعلين الاسبان، من مختلف المشارب؛ للإصغاء اليه والإجابة عن تساؤلاته اثناء حواره معهم.
واظن انه نجح، حتى في استمالة المترددين من السياسيين الاسبان؛ كونه لا يبحث عن الاثارة، وتوريط المتحدثين اليه، بما لم يصرحوا به؛ خاصة وان الأمانة الصحافية باتت، في السوق الاعلامية الراهنة؛ عملة نادرة.
أعتقد أن الكتاب ليس سجل اخبار ، وتدوين أحداث؛ بقدر، كما اتصوره، قراءة وتأملا هادئا في مشهد معتمل، يتمظهر في أوضاع وتوترات شتى.
والواقع الراهن في اسبانيا، ليس عصيا على أي دارس مؤهل؛ إن حاول أن يفهم ويستجلي الاشكالات؛ بصبر واناة؛ على اعتبار ان القوانين المتحكمة في التحولات الاجتماعية، العميقة والسطحية، في اسبانيا، هي واضحة لكل باحث ذي عين بصيرة؛ يمكن ملامستها والاقتراب منها بالاستقراء الموضوعي.
في اسبانيا جدل محتدم، وصراع ضار، ونقاشات ساخنة، وخروج هويات عن نطاقها. باختصار اسبانيا ، مجتمع حيوي، أمامه مستقبل يؤثر فيه ويصنعه الراهن؛ يتوجب علينا أن نستوعبه في شموليته، وأيضا في انزلاقاته المحتملة.
نبيل دريوش، تجشم مخاطر السباحة في بحر سياسي هائج، لكنه يعرف كيف يتجنب الغرق، دون العودة بصيد اعلامي ثمين.
هذه مجرد خواطر إلى حين الاطلاع على الكتاب.