‏آخر المستجداتلحظة تفكير

محمد الغلوسي: الحكومة أقبرت مشاريع محاربة الفساد.. خدمة لمصلحة لوبي متغول يهدد الدولة والمجتمع

يبدو جليا أن الحكومة تضايقت كثيرا من ورش مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة ، وحصل إجماع داخل مكوناتها بأن هذا الموضوع أصبح مزعجا ومثيرا للقلق، وأنها مستعدة للحزم مع كل الجهات التي تثير هذا الملف الشائك، كيفما كانت طبيعة هذه الجهات (جمعيات مدنية ، مؤسسات دستورية )، ولذلك، فإنها تسير بخطى حثيثة لمنع الجمعيات من التبليغ عن الفساد ومواجهة المؤسسات الدستورية المثيرة للموضوع، لحشرها في الزاوية وتحويلها إلى مؤسسات صورية
بالأمس، كانت الحكومة تشحذ أسلحتها لمواجهة التقارير الدولية وتتهمها بخدمة أجندات مشبوهة. واليوم لاتجد أي حرج لترديد نفس الأسطوانة اتجاه مؤسسات دستورية وطنية بنفس المعنى ولكن بلغة مبطنة !!
تحدث السيد بايتاس ووزير العدل بنفس اللغة، وشعر هذا الأخير بنشوة خاصة، لأنه لم يعد يتحدث لوحده في الموضوع، موضوع مكافحة الفساد ظاهرة معقدة ونسقية ومعممة، لاتقبل التسطيح الذي تم استعماله من طرفهما، الأمر ليس كما قال وزير العدل “أين هم من سرق مبلغ 50 مليار درهم لنعتقلهم “، هذا تهريج واضح وليس نقاش مسؤول صادر عن رجل دولة يحترم المؤسسات ويحترم نفسه قبل كل شيء ، هو التفاف وتهريب للنقاش حول قضية مصيرية تهم الدولة والمجتمع ، الأمر يتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة معضلة الفساد ، معضلة جعلت المغرب في المرتبة 97 من أصل 180 دولة، على مستوى مؤشرات إدراك الفساد الذي يستنزف مايقارب 50 مليار درهم سنويا، الفساد واقع لايرتفع، وشظاياه أصابت أحزابا سياسية، ضمنها أحزاب التحالف الحكومي التي تورط بعض أعضائها في شبكات فساد خطيرة، وربما وزير العدل تناسى أن قياديين في حزبه متابعون أمام القضاء بتهم مشينة، لا أدري ماذا ستقول الحكومة حول تقارير بنك المغرب، والمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، والمندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الأعلى للحسابات، ولجنة النموذج التنموي، وكلها مؤسسات تحدثت عن آثار الفساد والرشوة على البرامج والسياسات العمومية الموجهة للتنمية والمجتمع ؟وربما ستتهمها هي أيضا بكونها تقدم المغرب، بكونه بلد ينتشر فيه الفساد والريع، لأنها لاترى منجزات الحكومة في مجال محاربة الفساد !
المغاربة لايمكن الكذب عليهم، أو مغالطتهم بتصريحات شاردة وفاقدة للمصداقية واللباقة، تتوخى ترهيب الجمعيات والمؤسسات الدستورية، بخلفية طمأنة لصوص المال العام، وتقمص الحكومة لدور المحامي الشرس، للدفاع عنهم فقط. لأن حفنة منهم يشكل صمام آمان هذه النخبة المرتشية، لضمان المناصب والمقاعد في الإنتخابات المقبلة ، لذلك فإن حكومة الباطرونا وتضارب المصالح وزواج السلطة بالمال، تقوم بكل شيء من أجل طي ورش مكافحة الفساد وإغلاقه بشكل نهائي، خدمة لمصلحة لوبي الفساد ونهب المال العام ، وهكذا فإنها جمدت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وأغلقت كل نقاش حول تجريم الإثراء غير المشروع ، وقتلت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد. كما رفضت توصيات وخلاصات المؤسسات الدستورية، حول الموضوع وفي مقدمتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تفرغت الحكومة لتسفيه عملها والهجوم عليها، عبر منصة البرلمان، عوض استعمال القنوات الرسمية لتبادل وجهات النظر وتفعيل توصياتها وملاحظاتها، خدمة للمصالح العليا للبلد.

لايسعنا إلا أن نقول هنيئا لنا ، الفساد يتغول ويهدد الدولة والمجتمع والحكومة تفرش له البساط الأحمر؟

‏مقالات ذات صلة

Back to top button