أنجز نفق بين مدينتي الرباط وسلا خلال زمن قياسي لم يتجاوز شهرين من الأشغال ، وهو النفق الذي من شأنه أن يخفف كثيرا من الضغط على قنطرة الحسن التاني الفاصلة بين العدوتين ،وستصبح حركة السير إنسابية إلى حد بعيد.
لكن المهم في هذا الموضوع هو، كيف أن الأشغال المتعلقة بهذا النفق أنجزت بهذه السرعة والفعالية في حين هناك أشغال أخرى بالعديد من المدن وخاصة الكبرى منها كالدار البيضاء ومراكش وأكادير وغيرها تعرف تعثرا كبيرا بل إن هناك أوراشا وسط المدن توقفت لمدة طويلة وسببت مشاكل في السير والجولان فضلا عن الجانب الأمني دون أن يعرف سبب ذلك ،وبعض هذه الأوراش والأشغال وصلت إلى ردهات المحاكم نتيجة منازعات قضائية بين الإدارة كصاحبة المشروع وبين بعض المقاولين وهي المنازعات التي استغرقت وقتا طويلا وغالبا ماتجد الإدارة نفسها كصاحبة سلطة وإمتياز في بداية التعاقد مجردة من كل الوسائل الكفيلة بالدفاع عن المصلحة العامة نتيجة عدم توفرها على بعض الوثائق والأدلة والتي غالبا ماتكون حاسمة ،وهي وثائق تختفي من الملفات والأرشيف في ظروف غامضة يجعل الإدارة والمرفق العمومي “مجرد كومبارس “في معركة قانونية وقضائية غير متكافئة تنتهي بصدور أحكام بمبالغ مالية ثقيلة تؤدى من المال العام ،ويرجع سبب ذلك في جزء مهم منه إلى سيادة الفساد والرشوة داخل دواليب الإدارة.
كما أن تأخر إنجاز الأشغال في بعض المدن يرجع أيضا إلى تقاعس الإدارة عن تفعيل آليات الرقابة والزجر التي يخولها لها القانون ونجد بعض الأوراش تنجز في غياب أية متابعة أو مواكبة من طرف الإدارة صاحبة المشروع ،وهكذا مثلا فإن بعض الإدارات تتخلف عن حضور إجتماعات لجن الورش ،هذه اللجن والمحاضر التي لها دور في تسجيل ملاحظات وتحفظات الإدارة والتي ستكون مفيدة عند أي خلاف ،وحضور ممثل الإدارة لإجتماعات لجنة الورش يمكنه من متابعة تنفيذ الأشغال والوقوف عند مستوى تقدمها وجودتها وهو مايجعل المقاولة نائلة الأشغال تسهر على إحترام إلتزاماتها والتعامل مع إنجاز الأشغال بكل حزم وجدية.
كما أن الإدارة صاحبة المشروع لا تلجأ إلى إلزام المقاولة نائلة الصفقة بإحترام بنودها ومقتضيات كناش التحملات وغالبا ما تتلكأ في فرض غرامات التأخير على المقاولة بل إن الإدارة صاحبة المشروع في بعض الأحيان توظف القانون لخدمة صاحب المقاولة وهكذا فإنها تلجأ إلى إصدار أوامر بالتوقف عن الأشغال وهي حيلة لتمكين المقاولة من عدم السقوط في عدم إحترام آجال الإنجاز ،أوامر تستغلها بعض المقاولات لتدارك مافاتها من أجل وتعمد إلى الإستمرار في إنجاز الأشغال رغم وجود أمر صادر عن صاحبة المشروع (الإدارة) بالتوقف عن إنجاز الأشغال” ordre d’arrêt “.
هذا دون الحديث عن جودة الأشغال والتي يفتضح أمرها بعد مدة من تسلمها ومجرد سقوط أمطار لدقائق يعري غشها وهشاشتها ،يحدث هذا والإدارة قد أرجعت مبلغ الضمانة الواجبة قانونا بمناسبة الصفقة العمومية إلى المقاول وتصبح المصلحة العامة في مهب الريح ويكون المال العام كمال سائب مهدورا دون أن تتحقق أهداف المشروع.
إن تأخر إنجاز الأشغال والأوراش التي من شأنها أن تفك العزلة وتحل مشاكل إقتصادية وإجتماعية وبيئية ويلمس الناس أثرها في حياتهم راجع بالدرجة الأولى إلى تقاعس الإدارة كصاحبة مشروع عن تطبيق القانون والحرص على تحقيق المنفعةالعامة ،تقاعس ليس إراديا أو مجرد تهاون عفوي إنه تقاعس له إرتباط وثيق بسيادة الفساد والرشوة والبيروقراطية مع مايرتبط بذلك من غياب ربط المسوؤلية بالمحاسبة وسيادة الإفلات من العقاب ،هي أمراض هيكلية تحول دون قيام الإدارة بمهامها في التنمية والإستثمار والتشغيل ،مهام يتطلب إنجازها إصلاحا عميقا للإدارة يبدأ بمراجعة معايير تولي المسوؤلية العمومية والتي يجب أن تستند إلى الكفاءة والنزاهة والشفافية بعيدا عن الولاءات والزبونية وسياسة الريع.