مجلس المنافسة يصدر بلاغا مطولا حول مهمة التحقيق التي باشرها بخصوص وجود ممارسات محتملة منافية لقواعد المنافسة في سوق المحروقات ، هو بلاغ مطول يوحي لأول وهلة أن مجلس المنافسة حريص على إعلام الجمهور بتفاصيل هذه القضية التي أثارت نقاشا مجتمعيا كبيرا.
لكن وعلى خلاف هذا الإنطباع الأولي، فإن المجلس ومن خلال بلاغه أضفى غموضا على مهمة التحقيق التي باشرها بخصوص سوق المحروقات ، وهكذا فإنه ورغم حديثه عن ممارسات منافية للمنافسة، فإنه لم يكشف عن طبيعة وحجم هذه الممارسات ، كما أنه لم يخبر الرأي العام عن المدة التي استغرقتها هذه الممارسات ، وكيف سعت هذه الشركات الى هذه الممارسات رغم وجود نصوص قانونية تجرمها.
وإقرار المجلس بإرتكاب هذه الشركات لممارسات مخلة بالتنافس، يفيد حتما، أن تلك الممارسات مكنتها من جني أرباح كبيرة، لكن المجلس تحاشى ذكر ذلك ولا حتى الإشارة إلى حجم هذه الأرباح غير المشروعة ، وتحديد حجم هذه الأرباح غير المشروعة يقتضي تحديد المدة الزمنية التي لجأت فيها هذه الشركات إلى التدليس وتقويض قواعد المنافسة مع العلم أن لجنة برلمانية سبق لها خلال سنة 2018 أن حددت حجم هذه الأرباح في 17 مليار درهم.
كما ورد في ذات البلاغ الصادر عن المجلس يوم 23 نونبر 2023، أن هذه الشركات ملزمة باحترام قاعدة التناسب بين الأسعار الدولية والأسعار المحلية عند البيع ،وهو مايكذبه الواقع. إذ أنه ورغم انخفاض سعر النفط على المستوى الدولي، فإن لوبي المحروقات لايتوانى عن رفع الأسعار ضدا على كل التعهدات والإتفاقات الواردة في بلاغ مجلس المنافسة.
ولأن غول المحروقات ببلادنا يتمتع بنفوذ كبير، فإنه حرص في ذات البلاغ أن يهدم “قاعدة التناسب” أعلاه وحشر في فقرة موالية والتي تحدثت عن “التناسب” أو ماسماه البلاغ “الترابط “بين الأسعار الدولية في سوق النفط والأسعار المحلية ،حشر الفقرة التالية :
“كما تتعهد الشركات المعنية ، علاوة على ماسبق ، بتغيير أسعارها ، كلما اقتضت الحاجة ذلك ، وفقا لتطور العرض والطلب في السوق، وحسب دورة التموين وإكراهات التخزين والسياسة التجارية الخاصة بكل شركة “
وهكذا يتمكن لوبي المحروقات وفي انتصار واضح لسياسة “تحرير السوق” أن يربط تغيير الأسعار بالعرض والطلب وحسب السياسة التجارية للشركات المهيمنة على السوق ، تغيير ربطه البلاغ أيضا ب”كلما اقتضت الحاجة ذلك” أي أن تغيير الأسعار رهين بإرادة تلك الشركات المتغولة والتي امتصت دماء المغاربة دون أن تجد من يردعها.
وفي سعي مجلس المنافسة إلى إظهار “الردع “فإنه أخبرنا بأن تلك الشركات ستؤدي مجتمعة مايفوق مليار درهم دون أن يبين بشكل واضح كيف تأتى له تحديد هذا المبلغ ؟
يتضح من بلاغ مجلس المنافسة، أن هذا الأخير حاول أن يقدم نفسه كمؤسسة قوية للحكامة بعد تغيير إطاره القانوني، لكن الصيغة التي صيغ بها البلاغ والحشو الزائد الذي تضمنه وعدم رضوخ شركات المحروقات “لقاعدة الترابط ” بخصوص تحديد أسعار بيع المحروقات وترك ذلك لمنطق العرض والطلب ومنطق “كلما اقتضت الحاجة ذلك ” فضلا عن سكوت المجلس عن حجم الأرباح غير المشروعة التي جنتها هذه الشركات بسبب لجوئها إلى ممارسات منافية لقواعد المنافسة ، إن كل ذلك أظهر أن مجلس المنافسة يظل ضعيفا ورهينة بيد لوبي المحروقات الذي يجني أرباحا طائلة ويعتبر السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار العديد من المواد الإستهلاكية ، ويبشرنا مجلس المنافسة بخبر سعيد هو استعداد هذا اللوبي لإحترام التعهدات والإلتزامات والخضوع للقانون ، كأن احترام القانون يحتاج إلى إشهاد رسمي بذلك وتوقيع من طرف تلك الشركات المتغولة !!