“المبالغة والادعاء والجحود” منظومة متحكمه في”العقل” الجزائري الباطن والظاهر.
أنكروا في الماضي فضل وتضحيات مصر وبلدان المغرب العربي، بمساعدات لاحصر لها، طوال سنوات كفاحهم المسلح ضد فرنسا. رفعوا عدد الشهداء إلى مليون ونصف؛ بعد ما صرحوا غداة الاستقلال، برقم مخالف: مليون إلا ربع؛ قبله الناس منهم وصدقوه مجاملة، وعلى على مضض؛ خلافا لكل التقديرات المحايدةالمتداولة في ذلك الوقت؛ كنوع من النكاية في الاستعمار الفرنسي، وتسويدا لصفحته الملطخة بالتجاوزات.
وبعد النفخ في رقم ضحايا الحرب، بالغوا في تعداد المنجزات الثورية قبل تنزيلها.
وحيال شعورهم بالإدعاءات الفارغة، شرعوا في التنكر للمغرب؛ فاخترعوا خلافا مستحكما معه ، كان يمكن تسويته وفضه بشكل من أشكال علاقات الأخوة وحسن الجوار.
لا ننسى في هذا السياق أنهم أفرغوا ما في صدورهم من بغض وحقد على المصريين؛ لسبب بسيط بل تافه: صراع وأزمة كبيرة على خلفية مباراة كرة القدم، جرت أشواطها في ملعب بالسودان.
وما اقترفوه في حق المصريين، من أذى وإهانات وسطو على حقوق ومصالح مستثمرين في الجزائر.. كل ذلك العيب المقصود والمبيت ؛ سكت عليه المصريون، وتجرعوه مرا، وابتهالا إلى السماء.
هل تعلمون مثلا أنهم منعوا وهددوا بالعقاب أي مخالف بث المسلسلات المصرية وأغرقوا شاشات التلفزيون، بالمنوعات التركية لتغطية الفراغ . تناسوا مكرهين ونفاقا ، أن الأتراك هم من أذلوهم وتخلصوا منهم، بدون دولة، ولا كيان أو هوية حضارية.
ويبدو أن أخلاق “النيف والشلاغم” تساوي بين الأصدقاء والأعداء؛ فما جدوى إساءتهم العلنية والعنترية ضد الامارات العربية المتحدة؛ وقبلها إسبانيا التي مارست حقها في السيادة بانصاف المغرب من غبن تاريخي، بسلاسة في الاقناع وهدوء في التفاوض من الجانب المغربي ، وهو صاحب الحق الأصلي والتاريخي في الصحراء.
احتجت القوة الضاربة ضد إسبانيا، بغبار كلامي كثيف، دون أن تنتبه وناسية أن “مدريد” عضو في حلف “الناتو” وركن أساس في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن كونها القوة الخامسة صناعيا، المزدهرة اقتصاديا، ضمن مجموعة العشرين ؛ناسين كذلك (أي مدعي النخوة والشهامة) أن من تخاصمها دولة عريقة، اكتشفت قارة أميركا الجنوبية، ومدت نفوذها ولغتها فيها؛ ما يعني أنها كانت منذ العصور الوسطى؛ قوة عسكرية ضاربةحقا، في البر والبحر.
إن ما روجه المسؤولون الجزائريون في إعلامهم الغوغائي، عن الاسبان واتهامهم بالانحياز والرضوح لجارهم الجنوبي؛ كله معيب وعدواني؛ فيه تنكر لأبسط قواعد العلاقات الدولية. لكن المتنطعين رضخوا صاغرين، في النهاية للواقع المرير ؛وعادوا متوددين إلى الاسبان الذين غلبوا، برقيهم الحضاري، منطق المصالح على الهياج الدبلوماسي. ولا داعي هنا لتكرار ما فعلوه مع المغرب. فقد أرادوا حصاره وخنقه؛ فانفجر لغم الحقد في وجوههم.
على أي، الأمثلة كثيرة؛ نال منها المغرب النصيب الأوفر، حتى صار بمثابة حقل لتجاربهم العدوانية؛ في زمن تعمل فيه أغلب الدول العاقلة، نحو التخفيف من حدة الازمات وتجاوزها من طرف الجيران: روسيا أبدت استعدادا للتفاوض مع أوكرانيا.. الصين مع فورموزا، وكوريا الشمالية مع نصفها الجنوبي . وكلها بلدان متشابكة الخلاف والعلاقة مع الولايات المتحدة القوة النافذة في العالم.
لست هنا بصدد تعداد إخفاقات الدبلوماسية الجزائرية ؛ فما خفي منها ما هو أعظم وأشد إحراجا لهم. فهل ترعوي الدولة الواهمة وتجنح ولو قليلا إلى العقل؟!!