يستحيل أن تنجح الدبلوماسية الجزائرية في وساطة ؛ خاصة وأنها تتحمس للتدخل في نزاعات وأزمات مستعصية؛يدفعها، في الغالب، شكل من أشكال الكبرياء التاريخي المبالغ، في حجمه وتقدير قوته؛ بينما لا تمتلك إلا رصيدا ضعيفا، في دبلوماسية فض الخلافات الدولية. لم تستطع أن تنتقل، من سياسة الترهيب بالشعارات الشعبوية المدوية، في الزمن الثوري الماضي، وما لازمه، من ترغيب بالشيكات السميكة، بغية إرضاء الشعور الطاغي بتضخم “الأنا الوطني الضيق” ؛ أو ما يسمى بدبلوماسية ” النيف والشلاغم”!.
مارست الجزائر الوساطة السرية، بجلبة وضوضاء إعلامية صادحة. خلطت بين جلسات العمل السرية مع الأطراف المتنازعة، في غرف معتمة ضيقة ، وبين استعراض الإنجازات بالخطب الرنانة.
يستحيل نجاح وساطة، تدعي امتلاك كل الأوراق المؤثرة.
لنقارن بين الجزائر، الثورية الجمهورية، ذات المساحة المتغولة، والثروات الطبيعية الهائلة. أسطورة المقاومة بين حركات التحرر الوطني. لنقارن دبلوماسية التفاوض التي تتبعها، وبين نهج دولة صغيرة نائية؛ لم تظهر للعالم، إلا مع مطلع سبعينيات القرن الماضي.إانها سلطنة “عمان” التي كثيرا ما عرضت خدماتها للصلح بين الدول، بهدوء وصمت وتواضع. يعترف لها بالنتائج الايجابية، القاصي والداني. بذلت مساعي موفقة ، في قضايا وملفات إقليمية ودولية صعبة: بين العرب وايران، واسرائيل، وتركيا ؛ بين الفصائل الفلسطينية… والسبب أن ” السلطنة” الحكيمة، تستعمل، بذكاء وتواضع، الأوراق الناجعة التي تمتلكها، دون انحياز أو رغبة في تحقيق نجاح يجلب لها المدائح الاعلامية؛ متمتعة بثقة الأطراف.
في المقابل، فشلت الجزائر، فشلا مدويا في محاولات عدة، للوساطة. نتذكر النهاية الدرامية لوزير خارجيتها الأسبق، الصديق بنيحيى، الذي حاول اللعب بنار الحرب العراقية الايرانية، فالتهمت جسده النحيل ونثرت أشلاءه في حادث طائرة مدبر ؛ لما حامت شكوك حول دوره المنحاز لجهة ما؟
فشل آخر، هو الذي انتهت إليه الجزائر حديثا، في ملف النزاع بين مصر واثيوبيا . لم يمنح الوزير السابق” رمطان العمامرة” الوقت الكافي ليستوعب المكونات الهندسية لبنية سد النهضة وقراءة آلاف الصفحات والخرائط المائية والجيوفيزيائية ؛ دعك من الادعاءات الإثيوبية الكاذبة . قال له العسكر: اذهب للقاهرة واديس ابابا؛ واجلب معك نصرا دبلوماسيا دوليا؛ فإذا به عائد بخفي حنين.
يجب الاعتراف بمهارة الدبلوماسية الجزائرية في تضييق شقة الخلاف الوحيد، لساعات فقط، بين الفصائل الفلسطينية؛ على اعتبار أن الجولة الأولى من التفاوض، تبدأ بتوزيع الشيكات على الفصائل المتحاربة؛ يتبعها تحرير بيان مشترك عن عقد صلح تاريخي!!!.
فشل مماثل لاحقها، في ليبيا وتونس ومالي. ..
فكيف يمكن للقوة الضاربة أن تضاهي الصين الشعبية، لحلحلة الأزمة الإوكرانية الروسية ؟ حيث عجزت الدبلوماسيات العريقة.؟ هل يعتقد حكام الجزائر ، وقد انفضح عجزهم، في التئام قمة عربية بالنصاب والحضور المشرفين، أن المتحاربين سيصدقون اندفاعهم ؟
وبأي أسلوب، تسوق الجزائر دبلوماسيتها، وهي التي ترمي أية دولة مختلفة معها في الرأي؛ بالنار والحجارة: صنيعها مع المغرب وإسبانيا ، فريد من نوعه، في الحوليات الدبلوماسية العالمية.
لا يمكن تفسير الإخفاقات المنتالية، إلا بالقول : أن الجزائر لها وزارة للخارجية، بموظفين منفذين مطيعين، وليس لها دبلوملسيون محنكون مجربون. هؤلاء مبعدون عن مركز القرار، أو مجبرون على السكوت.
وببلاهة إعلامية، ينعت المغرب، حقدا وغيرة ب : دولة ” المخزن” هم لا يدرون دلالة الكلمة وحمولتها التاريخية. هذا المخزن ، يادولة ” الفلاغة” هو الذي شيد دبلوماسيته الهادئة منذ عقود: إبرم اتفاقيات عسكرية وتجاربة، منذ القرن 19 وما قبله مع قوى نافذة في البر والبحر. دافعت بها عن الحدود، وتبادلت الأسرى، وأقامت علاقات نافعة ومتكافئة مع الخصوم والاصدقاء.
وحيث إن ” مخزنكم” فارغ من الإرث التاريخي والعمق الحضاري، فسيلاحقكم الفشل في كل وساطة . إنكم تعرضون بلادكم الجبارة، وشعبكم، للمسخرة !!!
تواضعوا لله وانتعلوا الحذاء الذي يناسبكم، كي لا تزل قدمكم، وتغرقوا في دبلوماسية الوحل. ليست لكم الوسيلة والحيلة ..