عاد بيدرو سانشيث، من معركة المرض، متفائلا بانتصاره على فيروس كورونا الذي استباح جسده أكثر من مرة.
وبدا الزعيم واثقا أكثر من ذي قبل، وهو يخطب في أنصاره بمدينة ( لاكورونيا) يومه الاحد، حيث أعلن عن يقينه في تشكيل حكومة جديدة تقدمية؛ طالبا من خصمه زعيم الحزب الشعبي، أن يستعد لتبوأ مقعده في المعارضة، وهو منصب رفيع في النظام الديموقراطي.
ويعود تفاؤل سانشيث” إلى عدة متستجدات، يطول وقت شرحها؛ يمكن اختزالها في الجمود الذي بات سائدا، في معسكر الخصم، أمام فشل المرشح المكلف من طرف الملك؛ في إقناع حلفائه الافتراضيين، وعدم ضمانه الأصوات الضرورية لتمكينه من نيل ثقة البرلمان.
وكانت تصريحات الزعيم الأسبق للحزب الشعبي (خوصي ماريا اثنار) المتسمة بالعنف اللفظي ضد الاشتراكيين، واتهامهم بالاستسلام للانفصاليين الكاتلان، وبالتالي تهديد وحدة إسبانيا؛ كانت مؤشرا على يأس الحزب الشعبي من العودة إلى قصر” لا منكلوا”، لدرجة أن تصريحات قياديين تاريخيين في الحزب الاشتراكي، انتقدوا فيها تسرع “سانشيث” في الاقتراب من التحالف مع أعداء الدستور؛ المعتبر بمثابة وثيقة استثنائية، متوازنة هي نتاج الاتفاق التاريخي بين القوى السياسية والمجتمعية، خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت عودة الديموقراطية، بعد موت ” فرانكو”.
ربما يعبر قادة مثل غونثالث؛ الفونصو غييرا، وخواكين ألمونيا، عن حنين إلى الماضي، مكتفين بالتعبير عن الاستياء.
ومن جهتهم، بات الرفض الانفصالي المطلق، محصورا في أنصارالزعيم الفار من العدالة “بودجيمون” وإن بدت في بعض جمله السياسية، بين الفينة والأخرى؛ إشارات نحو التوافق على الحد الأدنى من التنازلات المشتركة.
ولا يقبل بودجيمون، التخلي قطعا عن مطلب العفو العام ، والحق في إمكانية إعادة تنظيم استفتاء متفق عليه، لتقرير المصير، يفضي إلى إعلان الاستقلال والجمهورية.
خطاب سانشيث، أصبح يلعب على البلاغة السياسية وتأويل الكلمات الملتبسة؛ وهو يبدو مطمئنا ومقنعا، إلى حد كبير، لعموم الرأي العام الاسباني؛ خاصة وقد أصبح معززا، أي سانشيث، بالنتائج الايجابية التي حصل عليها الاشتراكيون في قلاع الانفصال( كاتالونيا) ، ما جعل المطالبين المتحمسين للاستقلال التام في الماضي؛ يراجعون حساباتهم نحو حد معقول من الواقعية السياسية.
معلوم أن القوى المتنافسة، يسارا ويمينا، تعلم يقينا أن المتحكم في تشكيل الحكومة من عدمه، هم النواب السبعة الفائزون على قائمة بودجيمون؛ إذ بإمكانهم ( رغم نسبة أقل من 2 في المائة التي يمثلونها) في حالة التصلب؛ إعاقة قيام حكومة وفرض إجراء انتخابات تشريعية جديدة ، لن تغير الوضعية حتما ، ولن تعيد القطبية الحزبية السابقة.
وعموما؛ إعادة الانتخابات يخشاها كثيرون، بمن فيهم الانفصالي المتشدد بودجيمون؛ فهي لن تمنحه أكثر مما بيده حاليا، من أوراق؛ لكن المضي في العناد, قد يعزله أكثر ويحاصره من طرف كافة القوى السياسية، وخاصة اليسار المتعدد، الذي يفضل جني المكاسب دون الاصطدام بجدار الرفض.
في هذا السياق، لم تعد يولاندا دياث ( حزب سومار) مشترطة إعلان العفو العام، لتعارضه مع الدستور، وأصبحت تميل إلى فكرة سانشيث، الذي يفضل لفظ “التعايش” على العفو العام ؛ فالأول، يعيد إلى الأذهان ذكرى الحرب الأهلية؛ وما بعد وفاة فرانكو ، لما اتفقت القوى السياسية والجيش، وحتى الكنيسة، على إجراءات العفو العام ، مدشنين عهد الوئام الوطني.
إلى ذلك، يرى مراقبون في ظهور، خوصي ماريا أثنار ، في المشهد من جديد، وبصوت ناقم، لا يتورع عن الشتم والاتهام؛ أنه قد يفسد أجواء الأمل والانتظار، بل قد يجر الحزب الشعبي إلى مزيد من العداء للاشتراكيين واليسار عموما؛ ما يعني زرع مزيد من بذور التصدع في المجتمع.
فهل يستعد ” أثنار” الصارم العبوس؛ العودة إلى الساحة السياسية؛ شخصيا أو عبر دفع تيار أو قياديين موالين له؟