حدث صعود اليمين في أوروبا ليس واقعة جديدة ، فهي انطلقت وفق متتالية حسابية ، منذ صعود المحافظة على عهد ريغان وتاتشر ، أي قبل أربعة عقود ؛ ثم تصاعدت تدريجيا إلى أن بلغت وضعا خطيرا ، في ظل سقوط صروح الشيوعية وجدران رأسماليات الدولة ، وانهيار الدول /الأمم القومية إثر إرتداد ما سمي بالحراك العربي / الإسلامي ؛ زادها إختلاق الغرب الإمبريالي لقصة ” الإسلاموفوبيا ” ومكافحة الإرهاب ، وما ترتب عن ذلك من سيناريوهات تصدير الديمقراطية وعولمة اللبرالية المتوحشة . لقد توقف تحليل لينين عند توقع ” الأمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ” ، وحان الوقت لكي ينهض الفلاسفة والمفكرون وليتدبروا اجندة المرحلة وفق هذه السقوف والعتبات السياسية والجيوستراتيجية المتاحة ، وأمام تعقد الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، ناهيك عن تعثر الإنتقالات وصعوبة التحولات وعدم وضوح الإصطفافات وتماهي التشكيلات والبنيات تجاه صدام الثقافات والتعايش القسري لأنماط الإنتاج .
الحدث أعلاه ، جدد الفرصة لإعادة طرح سؤال تجديد الخطاب الديني وأنسنته وفق قيم الإعتدال وإحترام الحق في الإختلاف وحرية الإعتقاد ، وبعقلنة التدين بعيدا عن الأسطرة وأي تفكير صوري أو خرافي / سحري ، ضدا على نزعات التوظيف الإيديولوجي والديماغوجي والشعبوي كأوجه وأقنعة لكل أشكال الإستشراق ذي النفحة الأنتروبولوجية الكولونيالية . وفي مغربنا نحتاج ، والحالة هاته ، إلى رد الإعتبار لمطلب المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي ، رغم أن الدولة المغربية ما زالت مترددة في التعامل معه وفق متطلبات المقاربة الأمنية ومقتضيات عقيدة النظام السياسي ، لأن التحديث هو الوسيلة الأفضل لكي تكون الدولة قوية وآمنة ، بتحديث مؤسساتها ودمقرطة آليات صناعة القرار السياسي والأمني تحت رقابة السلطتين التشريعية والقضائية ، حيث لاشيء يغني عن الأمن القانوني والأمن القضائي الضامنين للعيش المشترك الآمن في ظل هشاشة التماسك الإجتماعي وإهتراء آليات الدفاع المدني أمام عواصف العنف المتوحش والتطرف الهمجي الزاحفين على قيم مجتمعنا المتسامح واللذين حولا مطلب المشاركة في السلطة من طموح سلمي مشروع إلى محراب لإحتراق الدولة وانهيار الوطن .