ستحل الجمعة الثانية من شهر أكتوبر إيذانا بانطلاق الدورة التشريعية الجديدة ، وهي مناسبة ستقدم فيها الدولة في شخص رئيسها عرضها السياسي أمام مجلسي البرلمان ، يفترض أن يتضمن توجيهات بمثابة قرارات سيادية واستراتيجية منتجة ، وسيكون على الطبقة السياسية عبر أحزابها وبرلمانييها تثمينها والعمل على تجويد حكامة تفعيلها بعد تبنيها كليا او جزئيا من قبل الحكومة ، وعبر برنامجها الحكومي وبعد شرعنتها من قبل مجلس النواب بالتصويت عليه ، وطبعا كل ما يتعلق بالقضايا الحيوية والاستراتيجية لابد ان يعرض على المجلس الوزاري برئاسة الملك كي يضفى عليها طابع السياسة العامة والمستغرقة لسياسات عمومية ، وكل هذا بغاية ضمان التقييم والتقويم في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة ، مع ضرورة استحضار الاقتصار على المساءلة معنويا وسياسيا بالنسبة للمؤسسة الملكية كما يقتضيه الدستور في باب الحصانة .
من هنا لابد من رفع التردد وتجاوزه والعمل على تنفيذ التزامات الدولة في العلاقة مع مطلب القطع مع الماضي ، فلا يمكن تحقيق أي انتقال مهما كان نعته إلا بسن ضمانات عدم التكرار ، وسوى بسن استراتيجية الحد من الإفلات من العقاب ، فقد ولى عهد ” عفا الله عما سلف ” كخيار للتسامح مع الفساد وترسيخ مظاهر الاستبداد وفي ذلك تقويض للتنمية و إنكار للعدالة ، فحذار من الخضوع والإذعان لصفقة مقايضة المسطرة المدنية بالمسطرة الجنائية ! ( الحق في التقاضي للمواطنين مقابل عدم الحق في مساءلة الموظفين العموميين ) ؛ لذلك مطلوب منا ويفترض فينا أن نحاسب الدولة من خلال موظفيها العموميين سواء الوزراء والولاة والعمال وكافة الأمنيين والقضاة والعاملين على إنفاذ القانون ، قد نجازف إذا جزمنا وقلنا بأن آليات الحكامة والمراقبة مؤهلة للقيام بالنقد والمتابعة الدستورية ، في ظل تماهي الصلاحيات وتداخل المسؤوليات وفي ظل تسليم الجميع بأن كل الشؤون ، بما فيها التنمية وإعادة الإعمار ، صارت مجالا محفوظا للملك ، وانضمت إلى مجال الأمن والدين والخارجية ، وهو خطاب أمر الواقع غير مقبول ، خاصة ونحن نتبجح بحصول تطور في مفهوم السلطة ومفهوم العدالة بجميع تلاوينها وتداعياتها .
ولا يسعنا إلا أن ندق ناقوس الخطر حول مصير الديمقراطية التمثيلية والتي تثقل ميزانيتها كاهل الخزينة العمومية مقابل مردودية هزيلة ووقع سياسي واجتماعي باهت ، والأنكى أن من شأن تفاقم الفساد – المستشري في أغلب الهيئات والمؤسسات – التمهيد لولوج الدولة الرخوة والتي يعد مشروع قانون المسطرة الجنائية تسويغا تأسيسيا لملامحها وبوادرها . صحيح أن الطبيعة تأبى الفراغ وما على المؤسسات إلا أن تملأه وفق ما يقتضيه الدستور والحس الديمقراطي ، لكن من الضروري أن يجسد الحلول / النيابة جزءً من الحل وليس جزءً من المشكلة، خاصة وأن العبرة بحجم الكلفة ، سياسية كانت أم مالية، في ظل ترهل الأحزاب السياسية، وتراخي آليات الدفاع المدني وعدم تنصيب مجلس الأمن ومجلس الدولة كآليات للإستشارة والحكامة ، لا ديمقراطية تمثيلية ولا ديمقراطية تشاركية ، وفي ظل كثافة المهام الداخلية الوطنية والخارجية وتضخم المؤسسات ومهامها والمراكز الندية الموازية والمنافسة ؛ فهل من حقنا أن نراهن على فرضية الإعلان عن جيل جديد من الإصلاحات السياسية والمؤسستية والتشريعية الوجيهة و المهيكلة لانتقال أمني أجود ؟