لم نكن أبدا مغبونين في علاقتنا بالغرب ، فديمقراطيتهم الرأسمالية لم تكن إلا مناخا ليبراليا بورجوازيا نجرب أن نواجه من خلاله فلول الإقطاع والعبودية في أفق بناء مجتمع إشتراكي ، دون أن نمتلك القدرة على التغيير أو حتى الإصلاح ؛ لقد كنا واعين بحدود وسقف “حداثتهم ” أو ما بعد “حداثتهم ” ، لأن أحلام فلسفة الأنوار أجهضتها ” قيم ” العولمة واللبرالية المتوحشة ، وبالتالي لم يعد نفس المناخ ملائما لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية ولا حتى إستكمال مقتضيات الإستقلال الثاني بالتهلص من التبعية ، وذلك منذ أن تدرجت الرأسمالية إلى حمايات فإستعمار ثم امبريالية معولمة في ظل تصاعد المد المحافظ واليميني المتطرف وعلى الخصوص منذ إقلاع النزعة التاتشرية والريغانية وما تلاها من إزدهار للمساومات والإتفاقيات التصفوية لكثير من قضايا التحرر ، توجت بسقوط جدار برلين وإنهيار المنظومة الإشتراكية ، وكذا رأسماليات الدولة في المشرق المبلقن بالطائفية والحروب الأهلية الدينية والعرقية والمذهبية ، وبالمقابل تتركز أقدام الصهيونية وتراجع المنتظم الدولي عن وصمها بالعنصرية ، وظل سرطانها يستشري في تضاريس خريطة الوطن المسمى ” عربيا ” أو إسلاميا حتى !
حقا ، قامت ” حركاتنا ” التقدمية بمراجعات فكرية وسياسية ، دون تجديد الفكر ، وتراجع النفس اليساري ، وفشلنا في بناء دولة المجتمع منذ أن اختزلت جل أحزابنا الفعل الديمقراطي في الإنتخابات بإسم النضال من داخل المؤسسات وتخلينا عن البعد الإجتماعي في هويتنا الحزبية ، وكما فعلت الدولة في سياستها العامة العمومية نزولا عند إشتراطات المؤسسات المالية الدولية ، فكيف لنا أن نراهن على إقتصاد (الأزمات والسوق) لا هم لمهندسيه سوى إعادة إنعاش الرأسمالية بتجديد أنفاسها وتكييفها مع التحولات الحاصلة حتى لا تتحقق نبوءة لينين والملخصة في مقولة “” الامبربالية أعلى مراحل الرأسمالية “” ؟؟
فهل ما يجري بين بؤرتي فلسطين وأوكرانيا تغيير وإنعتاق أم مجرد إعادة إنتاج نفس قواعد اللعبة الأممية في صيغة مأساة مبتذلة ؟