لم يَدُر بخلد “سناء” أن الذهاب إلى المدرسة سيكون يوما ما مسألة فيها نظر…كل ما تصوره عقلها الصغير أن حياة جديدة انطلقت بهذا المشوار اليومي المثير المشوّق الذي يأخذها بين البيت والمدرسة كالطائر غادية رائحة، ويشعرها بمرور الوقت، أن ليس اليوم كالبارحة، أما الغد فهي لمَّا تزل بعد طفلة، وللأطفال في يومهم شأن يغنيهم عن التفكير فيه.
طوت “سناء” سنوات الدراسة الأولى في مدرسة القرية، غير آبهة ولا قادرة على فهم العلاقة بين كثير مما تتعلمه وواقع الحال…
رغبتها في التعلم تمنحها حيوية ونشاطا و….رضا لا يصرف عنها شعور الانكسار للعيش في بيت طينِيّ صغير يساكن فيه الإنسان الحيوان…حبّ وغيرة يتنازعان الإخوة الخمسة المنحشرين في غرفة واحدة يتطلعون إلى بقرة تحتل وحدها الغرفة المجاورة .
عن ضيق العيش صنعت سناء بنجاحها في امتحان الشهادة الابتدائية فرحة غمرت الأسرة والوالد الشاب، عامل البناء النشيط فرحة عارمة لكنها فرحة بطعم مر وقد خلت القرية من ثانوية إعدادية ترعى أبناءها..! كيف لمن لا يستسلم أن يجتاز مسافات طوالا ولا زاد ولا “راحلة”… ولا مأوى بديلا يهوِّن مشاق طريق المدرسة؟!
إنها العقبة، ودون اقتحامها جُهد وجَهد وأبواب موصدة. فتيات القرية وليست “سناء” وحدها تحت رحمة الظروف القاسية… والأهل بين اليقين واللايقين، بين التعليم والتأهيل والتمكين والتهميش والإقصاء والهدر المدرسي المحقق. صار الحق مكرُمه ولا سبيل إلا المناشدات والشفاعات….
حظيت سناء بفرصة ثمينة لمتابعة الدراسة والإقامة معا بإحدى ثانويات المدينة، لم تكن نهاية المتاعب لكنها تعلمت أن الصبر والمثابرة سيجعلانها أقوى…
بعد ست سنوات من الجد والكد تحققت الأمنية… والمفتاح/ البكالوريا صار في اليد عاجزا وحده بلا ذات يد!
كل الأبواب موصدة بين القرية النائية المهملة وبوابة الكلية الفسيحة ومرة أخرى لم يَدُر بخلد “سناء” أن الذهاب إلى الجامعة سيكون يوما ما مسألة فيها نظر…