لماذا تجاوز عدد المصلين بالمسجد الأقصى 100 ألف مصلي في جمعة 16 رمضان 1444.رغم الإجراءات المشددة على مداخله وأبوابه. والعلة في ذلك أن المعركة مع إسرائيل معركة حضارية، تتخذ أبعادا تاريخية وقانونية ودينية. لكن الطرف الآخر يدقق في البطاقات الوطنية من أجل السماح للمصلين من تأدية الصلاة في المسجد الأقصى متناسيا بأن هذا المسجد معلمة حضارية له مكانة مقدسة في نفوس مسلمي العالم. والمسلمون هناك ينوبون عنا في هذه المعركة الحضارية. وهذا ما أكده التاريخ القديم والجديد الذي انطلق منذ وعد بلفور 1917. وتوج حسب تقديراته بالاحتلال الذي تم سنة 1948. والذي يعتقد أن هذه المعركة عادية سيظل يعيش بين أوهام النكبة والنكسة.
والمنطق يفيد أنها معركة وجود وليست معركة حدود. إنها معركة وجدانية وإنسانية بعدها الأول في الأرض وبعدها الثاني في السماء. إنه المسجد الأقصى، والذي يذكر المسلمين بلحظة أسري فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله. وجاء في الأثرأنه فرض أنذاك على الأمة 50 صلاة لكن بإشارة من موسى كليم الله صارت خمس صلوات.
والعبرة هنا أن موسى عليه السلام ساهم في هذه النتيجة بقدرمن الله و“أتباعه” كما يدعون يدنسون المسجد، ويمنعون الصلاة، إنها مفارقة بين رسالة موسى عليه السلام والسلوك العدواني الذي يقوم به الاحتلال باسم الدين كذبا وبهتانا. وهذا الذي يعيشه حرم الأقصى درسا للإنسانية جمعاء مفاده أن هناك احتلالا يدمر ويخرب ولا يراعي الأرض ولا السماء، ومن تم لابد من أخذ الاحتياط من هذا الفكر المدمر. ويجب على الأمة أن تقوم بهذا الدور التحسيسي لدى الإنسانية جمعاء وإلا دمر الكون وسقط في براثن الأذى. ونموذج الأقصى صورة مصغرة لهذا النموذج الذي يريده المحتل للعالم. لهذا عمرهذا الاحتلال أكثر من 70 سنة لأن المعركة يتداخل فيها المادي وغير المادي. والوعي بطبيعة المعارك سيؤسس لاستراتيجيات راقية من أجل إنقاذ البشرية من هذا المحتل ذي الطبيعة العدوانية المركبة والمعقدة.
إن وجود باب المغاربة في القدس مؤشر على الوعي الجمعي الذي كانت تتسم به الأمة، والتنديدات الصادرة عن المسيحيين هناك مؤشر كذلك على أن هذا المحتل نقطة سوداء على المستوى العالمي، والوعي بهذه المعادلة تنير الطريق أمام الحلول الممكنة. وإذا استطاعت الأمة الإسلامية أن تنقل المعركة اليوم من المستوى التي عليه إلى المستوى الإنساني مع نشر الوعي الحقيقي لطبيعة هذا الصراع الحضاري ستكون قد وضعت القطار على السكة الحقيقية. وبذلك سنصحح التاريخ والجغرافية والقوانين والاتفاقيات الدولية. كيف نفسر اقتحام المحتل للمسجد الأقصى ومنع المصلين من الصلاة وفي شهر رمضان المبارك ناهيك عن القتل والأسر وكل المصائب التي لا تخطر على بال أي إنسان؟ إذن هذا الصنف من الاحتلال ينطلق من رؤية عنصرية ضيقة، تغلف “باعتقادات دينية’.
رؤية تدمر أمكنة العبادة خاصة المقدسة نحو المسجد الأقصى، ولا تراعي الشهور التي لها مكانة في قلوب المسلمين، والمدن التي لها وضعها الديني والتاريخي والقانوني، وفي لحظة الاعتكاف والمناجاة الربانية، وتحطم المشاعر المقدرة بالملايير، وتغير معالم العمران في اتجاه طمس الحقيقة التاريخية وبناء تاريخ الوهم والتدليس، وتهين المرأة وتسعى لتحطيم كرامتها بنعتها بنعوت تتنافى مع فلسفة الكرامة.
إن المحتل يدعي بأنه يريد ممارسة ديانتهم بتقديم قرابين عيد الفصح بداخله. ولكن نسوا بأنهم قدموا مجازر في حق الإنسان، والمكان والزمان فهل سبق للمسلمين أن اقتحموا مكان عبادة في القدس أو فلسطين؟ إذن هذه إدعاءات كاذبة من أجل تبرير جرائمهم.إنه الخداع والغدر. وكلما قرأنا أو سمعنا هذه الآية:”وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم” الأعراف 167.
تتجلى لنا المعركة الحضارية مع هذا المحتل. وتفيد الإعلام، والخطاب موجه إلى بني إسرائيل، الذين فضلهم الله على العالمين، لكن لسلوكهم المنحرف حرموا من هذا الوسام. هذا السلوك الذي يعرف اختلالات واضطرابات. وكونهم متدينين فعليهم احترام دينهم كما نزل على موسى عليه السلام. وبذلك أصبحوا نموذجا في الإرهاب والعدوانية. لقد أصيب سمعهم وبصرهم وأفئدتهم بدخن. وبذلك زاغت عن الفطرة واستثمرت في العدوان للأسف الشديد. إن زيغهم دائم، وليحذروا من جهل من هو أجهل منهم. وهذا ديدنهم إلى يوم الدين.
لقد تخصصوا في السوء الوجودي، وبمفهوم المخالفة لا بد من المواجهة والمناهضة والممانعة. ولا ينتظرهم إلا العذاب. ولكن كيف يتحدث الله تعالى على سرعة العقاب المتناغم مع المقام والمغفرة والرحمة؟ الجواب من زاويتين: الأولى أن الله عز وجل يفتح باب التوبة والرحمة إذا خلصت النوايا والثاني أنه من رحمة الله ومغفرته تعجيل العذاب للظالمين
نستنبط مما سبق أن المعركة مع المحتل معركة ثقافية وحضارية ودينية، والممانعة ستكون مستمرة من أجل إقرار الحق والعدل. مع الأخذ بعين الاعتبار أن فلسطين بوصلة حقيقية إقليميا ودوليا وإنسانيا. لأن هذا العدومصرعلى حسم المعركة بالقوة، وبلا رحمة، باعتبار أن الممانعة في تقديرهم تحريض، والنضال الفلسطيني تزييف للحقائق وتهديد لإسرائيل. ومن تم فمسؤولية الأمة أولا والإنسانية ثانيا وشرفاء العالم دعم الفلسطينيين علميا وماديا تعزيزا للصمود الواعي بطبيعة المعركة.
وتحقيق الشهود الحضاري بالقدس والمسجد الأقصى واجب على المسلمين كل من زاويته وامكانيته واستطاعته. دعما ومؤازرة لأخواتنا وإخواننا المرابطين هناك والذين سخروا أنفسهم لخدمة هذه المعركة الحضارية الشريفة، وقد وظف بلاغ المملكة المغربية التي يرأس عاهلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لجنة القدس الصادر بمناسبة اقتحام الاحتلال المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين مصطلحات معبرة في هذا المجال نحو: القلق والأحداث العنيفة، اقتحام، وترويع، الانتهاكات، التوتر والاحتقان، مع التأكيد على الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس وحماية الطابع الإسلامي للمدينة وحرمة المسجد الأقصى المبارك. فاللهم إنا نستودعك بيت المقدس وأهل القدس وكل فلسطين اللهم كن لهم عونا ونصيرا يارب العالمين.