كتب: د خالد الصمدي
سؤال يطرحه الفاعلون والمتتبعون لورش إصلاح المنظومة التربوية المغربية ، فما من شك أن اللغة الانجليزية تحتل اليوم المرتبة الاولى عالميا كلغة للعلم والتواصل والتكنولوجيا وسوق الشغل بصفة خاصة والتنمية بصفة عامة.
وفي هذا السياق يتوجب على المغرب أن يتخذ خطوات عملية للانفتاح أكثر على هذه اللغة العالمية بالإضافة إلى تعزيز مكانة اللغات الوطنية في المنظومة التربوية.
وفي هذا السياق وضعت الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 خارطة طريق ومخطط عمل من أجل التعميم التدريحي لهذه اللغة في إطار هندسة لغوية منسجمة ومستجيبة لحاجيات التنمية في بلادنا ، وبرنامج عمل مندمج بأخذ بعين الاعتبار كل شروط إنجاح هذا الورش الهام.
وتندرج المذكرة 030/23 التي صدرت عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بتاريخ 23 ماي 2030 في سياق تنزيل هذه المقتضيات.
إلا أننا نسجل أن هذه المذكرة رغم اهدافها النبيلة والطموحة بها فراغات وبياضات قد تعيق تنزيل مقتضياتها بمستوى التعميم والجودة اللازمة التي ينتظرها الجميع ويمكن أن نجمل أهم هذه الملاحظات فيما يلي :
– أخبرنا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في بلاغ رسمي انه توصل من رئيس الحكومة بطلب إبداء الرأي في مرسوم الهندسة اللغوية في المنظومة التربوية ، ولحد علمنا فإن هذا الرأي في هذا الطلب الجديد لم يصدر بعد ، وبالتالي فإن المرسوم لم يوضع لحد الساعة في مساره التشريعي ولم يصادق عليه في مجلس الحكومة بعد ، حتى يدخل حيز التنفيذ وهذا ما يفسر استنادا المذكرة إلى القانون الاطار مباشرة دون الإشارة إلى نصوصه التطبيقية وهذا عيب تشريعي لا يخفى ،مما يجعل هذا الورش غير مؤطر تشريعيا، طبقا لتراتبية القوانين الجاري بها العمل.
– وبناء على ذلك فإن هذا القرار لم يوضع ضمن سياقه العام الشمولي ومقتضياته ذات الصلة بتنزيل الهندسة اللغوية برمتها علما بأن هذه الهندسة اللغوية كل لا يتجزأ، تتداخل فيها اللغات الوطنية باللغات الأجنبية وتدريس اللغات بلغات التدريس.
– لم يتأسس فتح هذا الورش بالتعليم الاعدادي على تقييم مدى نجاعة تدريس اللغة الانجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي، تقييم من شأنه أن يحدد جوانب القوة والضعف في هذه المرحلة ويضمن شروط النجاح في المرحلة الموالية ، ومن شأن عدم الإفصاح عن نتائج هذا التقييم في التعليم الثانوي ان يرخي بظلاله على تنزيل التجربة الى التعليم الاعدادي خاصة إذا ما علمنا ان عدد المتمدرسين في هذا السلك يفوق المليون ونصف مليون ، وهو ما يجعلنا نتخوف من مرافقة نفس الاكراهات الى التعليم الاعدادي والتي يمكن أن تكون أكثر حدة.
– يبدو أن هذه الحكومة رجعت الى الاشتغال بمنطق إصلاح التعليم عوض الاشتغال بمنطق إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ، ويتضح ذلك جليا من مختلف اللجن الوطنية والجهوية التي تنص المذكرة على إحداثها لمواكبة تنزيل هذا الورش والتي تخلو من التنسيق من الجامعات التي يعتبر دورها حاسما في نجاح هذا الورش ،
– يعتبر توفير الموارد البشرية المؤهلة خاصة في الإجازة في التربية تخصص اللغة الانجليزية حجر الزاوية في نجاح هذا المشروع الطموح ، وإذا ما علمنا ان مسلك الإجازة في التربية تخصص اللغة الانجليزية لم يعمم بعد على جميع مؤسسات التكوين نظرا للخصاص الكبير في الأساتذة الباحثين المكونين المتخصصين في بيداغوجيا وديداكتيك اللغة الانجليزية وليس فيها كلغة فقط ، وقل نفس الامر بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين التي يتلقى فيها الأساتذة أطر الأكاديميات تكوينهم التطبيقي وتداربيهم العملية ، فإن عدم أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار من خلال التنسيق مع قطاع التعليم العالي سيهدد هذا المشروع بالفشل.
– إن فتح ورش من هذا القبيل لا يتأسس فقط على إصدار مذكرة و إحداث لجن للمواكبة وطنيا وجهويا، ولكنه ورش مندمج يتداخل فيه التشريعي بالتكويني، بالبيداغوحي ، والتواصلي ، كما أنه جزء لا يتحزأ من منظور شامل لإصلاح البرامج والمناهج الذي أوكلة القانون الاطار إلى لجنة مختصة لم تر النور لحد الساعة رغم مرور اكثر من سنتين على صدور المرسوم المحدث لها في الجريدة الرسمية ، وليس إجراء معزولا عن سياقه قد يفسره البعض بأسباب سياسية ذات صلة بعلاقة المغرب مع شركائه مدا وجزرا.
نتمنى لهذا الورش الوطني الهام كل أسباب النجاح باعتباره خيارا استراتيجيا لبلادنا على المدى المتوسط ، والشرط في ذلك مقاربته بمنظور متكامل ومندمج لا سرعة فيه ولا تسرع.